مقالات

العنف الأسري… جريمة مقدسة ترتكب باسم الحب!

طارق المياحي

في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون البيت ملاذا آمنا نرى في كل بيت هناك قصة ومأساة لا تروى ودمعة لا ترى خلف أبواب مغلقة وجدران عاجزة و صامتة إنها ليست جريمة ترتكب في الظلام ولا في ظروفا غامضة بل داخل “أقدس” العلاقات الإنسانية ( الأسرة ) .
فكم من امرأة تعنف باسم الغيرة وكم من طفل يضرب بحجة التربية وكم من زوجة تقهر بذريعة الطاعة وكم من رجل يهان في صمته ويكسر في رجولته.
يبدو أن العنف الأسري بات وجها آخر للمحبة المريضة والتسلط المقنع والجهل المتوارث على مر السنين فنحن أمام جرائم نفسية وجسدية ترتكب تحت غطاء الحب والخوف على الأسرة لكنها في الحقيقة تعكس هشاشة العلاقة وضعف الوعي والعوامل النفسية والفقر والبطالة وتراكم الأزمات الاجتماعية.

في جولة ميدانية بمحاكم الأحوال الشخصية ومحاكم الجنح تتكشف لنا المأساة يوميا تسجل عشرات القضايا المتعلقة بالعنف الأسري : زوجات يطلبن الطلاق بعد سنوات من الإهانة والضرب أمهات يناشدن بحضانة أطفال هاربين من بيئة قاسية وأزواج يتحدثون عن الإهمال والابتزاز العاطفي
وممارسات الضرب والايذاء الجسدي المباشر والاهانات والتجريح.
الواقع مؤلم أكثر حين نعرف أن أغلب الضحايا لا يبلغون عن العنف إما خوفا من الفضيحة أو حفاظا على الأبناء أو نتيجة ضغوط العائلة والمجتمع القبلي الجاهل.
وفي ظل تفشي هذه الظاهرة تؤكد دراسات اجتماعية أن العنف الأسري ليس سلوكا فرديا فقط بل هو نتيجة تربية مشوهة وثقافة ذكورية وموروثات خاطئة عن مفاهيم الرجولة والطاعة والسلطة داخل الأسرة.

نحن بحاجة اليوم إلى كسر هذا الصمت إلى أن نعيد تعريف الحب والحرص ونعلم أبناءنا أن المحبة لا تعني السيطرة ولا تبرر الإيذاء نحتاج قوانين أكثر صرامة ومؤسسات دعم أكثر فاعلية ومساحات آمنة تفتح أبوابها لمن يتألمون في صمت
المحامي “س.ي” أوضح في حديثه لنا: “غالبا ما نرى قضايا عنف يتم التنازل عنها بعد الوساطات والتأثيرات العائلية لكنها تعود لاحقا بشكل أشد واقسى لأن الجاني لم يحاسب ويعاقب.
ولا يقتصر العنف على النساء فقط فهناك رجال يعنفون نفسيا ويحرمون من أبنائهم أو يستهدفون ماديا بطريقة قاسية كما أن الأطفال كثيرا ما يكونون الشريحة الأكثر تضررا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر فهم إما شهود على العنف أو ضحاياه الصامتين.

في ظل هذه الأزمات أصبح من الضروري أن يتحول الوعي المجتمعي إلى سلاح مواجهة لابد من تفعيل قوانين الحماية وتسهيل آليات التبليغ ومعاقبة المقصر اشد العقوبات ونشر ثقافة أسرية مبنية على الاحترام لا على السيطرة.
الحب لا يقاس بالصراخ ولا يثبت بالضرب ولا يترجم بالقهر فالأسرة التي تبنى على الخوف لا تنبت إلا كراهية ولا تخرج إلا أفرادا مهزومين نفسيا.
إنها ليست مجرد قضية عائلية بل أزمة مجتمع كامل تتهدد مستقبله من الداخل فهل آن الأوان لنقول : “لا” باسم الحب … لكل عنف يرتكب تحت سقف البيت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *