أينَ أنتم. . .إني لا أراكم. . .؟!
صفاء رشيد
في العراق أسسَ إلى سلطةِ تحكم ومحكومٍ يطيعُ، ونشأَ بينهما عقدٌ اجتماعيٌ يفرضُ بأن يقومَ كلُ منهما بواجبهِ بعدَ تقاعسِ المثقفينَ والنخبِ عن مسؤوليتهم.
في المجتمعِ الأزماتِ متراكمةٌ بشتى أشكالها منْ الفسادِ المستشري وجهلٍ مطبقٍ ووعيٍ منعدمٍ وبينَ كلِ هذا يقفُ ” المثقفونَ ” و ” النخبَ ” و ” الأكاديميونَ ” من أعلى أبراجهم العاجيةِ مكتوفي الأيدي متفرجينَ على هذهِ المشاهدِ المأساويِ دونُ أن يبادرَ للتصدي أو أن يكونَ لهم دورٌ فاعلٌ في الإصلاحِ .
أينَ المثقفُ الذينَ يفترضُ أن يكونَ لهُ دورٌ نوعيٌ في المجتمعِ ويكونُ الشخصُ الفريدُ في سلوكهِ وتأثيرهِ الاجتماعيةَ ويجهرُ في حريتهِ بشجاعةٍ للواقعِ ..؟ أينَ الاكاديمين الذينَ يجبُ أن يكونوا المحركينِ داخلَ المجتمعِ نحوَ التغيرِ الإيجابيِ..؟ أينَ النخبُ التي يفترضُ بها أن تشكلَ رأيًا عامًا واعيًا..؟ لما الصمت أمامَ كلِ ما يحصلُ..؟ لو بحثنا بشكلٍ عامٍ نجدُ غالبيةُ المثقفينَ والنخبِ والأكاديميينَ أصبحوا نوعينِ …
الأول منهم : هوَ الذي يسيطرُ عليه الخوفُ من السلطاتِ فيصبحُ أما تابع ” يستثقف ” لصالحَ السلطةِ أو منعزلٍ منغلقٍ لا فائدةً ترجى منهُ لكنَ يعد نفسهُ ” مثقفا ” أو ضمنَ ” النخبِ “.
الثاني منهم : هوَ من يفضلهُ بعضُ ما يسمونَ أنفسهم المثقفين أو النخبِ “الصمتِ مقابلَ الحصولِ على مكاسبَ شخصيةٍ ” أو الحفاظِ على مناصبهم ومصالحهم أو يتوددُ إلى الحاكمِ ليمارسوا دورَ المحكومِ بخضوعٍ .
كلا النوعيّن يشعرونَ أنهم أفضلُ من غيرهم وينظرونَ إلى الواقعِ ” بترفعِ ” فجميعهم يعيشونَ في ” أبراجٍ عاجيةٍ ” بغرورٍ وتعجرفٍ بعيدةٍ عن كلِ ما يحصلُ في الواقعِ ، بالحقيقةِ هؤلاءِ لا يستحقونَ أن ينالوا من المجتمعِ الاحترامِ الزائدِ أو التقديرِ الذي يجبُ أن يحضى بهِ المثقفُ والنخبُ الحقيقةُ وليسَ من الصحيحِ أن تطلقَ على هؤلاءِ عناوينَ ” المثقفِ أو النخبِ ” لأنهم مجردُ حافظينَ موادَ تخصصاتهم لا أكثرَ و امتلكوا ورقةٌ تثبتُ أنهم قد حفظوا المادةُ بنجاحِ لكنها لا تثبتُ أنهم فهموا مسؤوليتهم فمن حفظَ وأكتفي بذلكَ أصبحَ متقاعساً عن مسؤوليتهِ ومتخاذلٌ معَ “السلطةِ الحاكمةِ لتطويعِ المحكومِ” المثقف والنخب ” لمن يودُ أن يكونَ من بينهم عليهِ أن يتحملَ مسؤوليةً تاريخيةً فليسَ بمجردَ الحصولِ على شهادةٍ عليا أو قراءةِ عددٍ من الكتبِ أو أن يسبقَ اسمكَ حرف ( د ) أو أن تكونَ صاحبَ منصبٍ أو غيرها يعني أنكَ أصبحت منهم إطلاقا.
أنَ ” النخب والمثقف النوعيَ ” يجبُ أن يتحملوا مسؤوليةٌ تاريخيةٌ تجاهَ بلدهم ومجتمعهم لا يمكنهم الاستمرارُ في الصمتِ بينما الجهلُ ينهالُ بالأزماتِ وسطَ المجتمعِ ، دورُ ” المثقفِ النوعيِ ” هوَ إزعاجُ السلطاتِ المقصرةِ اتجاهَ شعبها وليكونَ ” النخبة “هم القلمُ والصوتُ الحرُ والشجاعُ الذي يطرحُ قضايا المجتمعِ بصوتهِ العالي بوجهِ السلطةِ المقصرةِ، النخبُ والمثقفُ هوَ العنصرُ الأولُ في تفكيكِ السلطاتِ بجميعِ مفاهيمها الواسعةِ هوَ من يفككُ تعقيداتِ السلطةِ ومفاهيمها إلى العامةِ وهوَ من يشكلُ حلقةَ الوصلِ التي توضحُ الصورةُ إلى العامةِ ويكونُ صوتهم الحرُ والشرسُ في حقوقهم وأن يعيشَ ويتعايشُ معهم على واقعهم ومأساتهم فليسَ هنالكَ فائدةٌ من ” شهادتكَ ، وكتبكَ ، ومنصبكَ ، ولقبكَ العلميَ ” إنَ لم توظف كلُ إنتاجكَ لأجلِ خدمةِ المجتمعِ وأن تكونَ الفاعلَ الحقيقيَ في رفعِ مستوى الوعيِ والصوتِ الواضحِ ، لا نطلبُ من المثقفينَ والنخبِ أن يقدموا أرواحهم على طبقِ من ذهبَ ، لكننا نطلبُ منهم أنَ لا يصبحونَ كما هيَ السلطةُ متهربةً عن مسؤولياتها وأن يبادروا إلى لعبِ دورٍ فاعلٍ في إصلاحِ الواقعِ المأساويِ، عليهم أن يرفعوا أصواتهم ضدَ الفسادِ ، وأن ينشروا الوعيُ بينَ الناسِ ، و يساهموا في بناءِ عراق جديدٍ يصلحُ لحياةٍ كريمةٍ يجبُ على جميعِ الأكاديميينَ والمثقفينَ والنخبِ العراقيةِ إعادةَ النظرِ في مواقفهم والإنهاءُ عن دورِ البعضِ في تطويعِ المحكومِ لمصلحةِ الحاكمِ وتثقيفِ محكوميتهِ وترسيخها بذهن العامةِ على أنها منفعةٌ لهُ ذلكَ أضعافَ الإيمانِ فإن لم تكنُ نافعاً فلا تكونُ أكثرَ ضرراً.