الأربعين ساحة للفضائل .. لا ساحة للفضائح
حازم الصائغ
في كل عام، تسير الملايين نحو كربلاء، لا تملك إلا أقدامها، ودموعها، وولاءها. إنها زيارة الأربعين التي لا يشبهها حدث في هذا العالم، من حيث الأعداد والإعداد والتنظيم وتقديم الخدمات والتفاني الإنساني.
وفي قلب هذا المشهد الاستثنائي، تبرز الكاميرا – كاميرات الإعلام وهواتف الزائرين – كعين تنقل، ومرآة تعكس، وصوت يسمع العالم ما يجري.
لكن السؤال الذي لا بد أن يطرح:هل ننجح فعلا في نقل الصورة الكاملة لهذا الحدث؟
أم نسقط في فخ التركيز على الهوامش والسلبيات، تاركين الجوهر النقي في الظل، وكأننا نرى بعين واحدة ونصغي بأذن مشوشة
إن نقل بعض الظواهر الفردية السلبية – التي لا تعبر عن جوهر الزيارة – قد يفتح الباب لتشويه الصورة العظيمة لواحدة من أعظم وأكبر الزيارات والتجمعات المليونية في التاريخ.
زيارة الأربعين ليست مجرد حدث ديني، بل هي تظاهرة روحية وانسانية وثقافية واجتماعية كبرى.
اليوم اصبح كل من يسير في الطريق الى كربلاء مسؤول على نقل المشاهد التي تعزز القيم، وتظهر حجم التكاتف الشعبي، وتنقل صور الكرم، والخدمة، والتطوع، والتنظيم الذي يبهر كل من يراه.
فليس من المنطقي أن ننشغل وننقل مواقف سلبية محدودة، يتسبب بها بعض الجهلة أو الحالات الشاذة، ونعطيها حجما يتجاوز واقعها، وكأنها تمثل الجو العام للزيارة.
هذا السلوك لا يخدم الحقيقة، ولا يحترم عقل الجمهور، بل يخدم حملات التشويه التي تتربص بهذا الحدث من أطراف داخلية وخارجية.
نحن لا نقول ان في زيارة الأربعين تنعدم الظواهر السلبية – فحالها كحال أي حدث يضم ملايين البشر – لكن هذه السلبيات تظل استثناءات أمام بحر من المشاهد العظيمة التي تصنعها القلوب والنية الصافية.
فكم من مشهد لطفل يخدم، وشيخ ينظف الطريق ويسقي الماء وامرأة تطبخ لملايين الغرباء، وشاب يقف بكل شموخ في لهيب الشمس يتلقى 5 بكلمة ( هله و100 هله بيكم )… الا تستحق هذه المشاهد أن تتصدر منصات ومواقع التواصل الاجتماعي ؟
كم من موقف إنساني نبيل، أو تفان في الخدمة، أو دمعة حب خالصة، تم تجاهلها لأنها “لا تصنع الجدل”؟!
هنا على (صاحب الكاميرا) أن يراجع نفسه: هل هدفه أن يكون مرآة أم عدسة تفرغ فيلما معدا ( للطشة ) فقط؟
الزيارة الأربعينية تقول للعالم: نحن أمة لا تموت، ما دام فينا حب الحسين، واستعداد للسير نحوه، ولو حفاة.
وما يتم نقله من صور ومقاطع للعالم لا يبقى حبيس مواقع التواصل، بل يصوغ صورة العراق، وصورة الشيعة، وصورة الإنسان المؤمن.
فلتكن عدسة كاميراتنا مرآة تعكس الجمال، لا آلة تضخم القبح ، ولندرك جميعا أن تسليط الضوء على الإيجابيات هو وفاء للحقيقة.
في مسيرة الحسين، كل خطوة قصيدة، وكل دمعة رواية، وكل عدسة لا تنقل هذا النور.. فقد خانت الأمانة