“الاستقلالية السلوكية: فصل الدين و العادات و التقاليد عن العدوانية الفردية”
مصطفى محمد
دائماً ما كُنا نطرح هذا السؤال، هل الدين و العادات والتقاليد همُ من يقوموا بتحديد الانسان بمسار اخلاقي محدد ام فرضية الدين الاجتماعية هي من تبقي الانسان بمسار محدد .
من جانبي الشخصي ارى ان استقرار الفرد مادياً ومعنوياً ونفسياً هو ما يحد منه ان يكون ساخطاً ناقماً او عنصراً غير عدائي او خارج عن السياقات الاخلاقية ، لو نلاحظ اننا كلنا بداخلنا نميل للخطأ ونبتعد عن موروثنا الديني وجوهرهُ، على الرغم من اننا خلقنا بمجتمع ديني متوارث وبمجتمع صلب العادات والتقاليد ، و هذا يعزو الامر لسبب واحد اننا مؤمنين اسماً ضاهراً فقط نطبق الدين حينما نريد ، ونرجع للعادات والتقاليد حينما نحتاجها قلة قليلة منا من يطبق تعاليم دينهُ او موروثهُ الأجتماعي بصورة صحيحة ، متخوفين من عدم الاشهار بحقيقة اننا نطبق ديننا في اوقات رغبتنا فقط ونرجع لأحكام مجتمعنا حينما نود ونشتهي .
وهنا تكمن الحقيقة ان الدين لن يكون رادعاً حقيقياً للانسان ان لا يخطأ ولن تكون العادات والتقاليد مقوماً فرضياً قوياً، وانما استقرار الفرد مادياً او معنوياً في مجتمعنا هو من يستطيع ان يحدد استقرار الفرد وطابعهُ وسلوكهُ وسلميتهُ اكثر من فرضياتهِ الدينية او الأجتماعية .
وكما فسر علي الوردي التدينَ وتمثلاتِ الدين في حياة الفرد والمجتمع بوصفه تعبيرًا عن الثقافة والمحيط والظروف والمشاكل والأخطار المتنوعة التي يواجهها الناس، فكلّ ما يواجه الفردَ والمجتمعَ يؤثر في إنتاج نمط التدين، يقول الوردي: ان مظاهر التدين لا يمكن أن تكون متماثلة في جميع البشر، فهي تتنوع حسب تنوع الثقافات الاجتماعية فيهم، وحسب طبيعة المشاكل والأخطار التي يواجهونها..!
لهذا من مفهوم علي الوردي نستند استناداً تاماً ان المفاهيم الدينية او الاجتماعية لا يمكن ابداً ان تكون سوراً يحمي الأنسان من عدم التوحش او رادعاً لعدم الايذاء او تكوين حالة اجتماعية شاذة ، بل الحقيقة تكمن ان كلما كان الانسان اكثر رخاء وراحة ، كلما قلت تدريجياً نسبة تحولهَ لعنصر من الممكن ان يصبح خطراً او مؤذياً.
وبشكل اخر نستخلص مما تقدم، ان ذلك الانسان الذي فقد معاني السعادة في العالم الرأسمالي وتطور التكنولوجيا في القرن العشرين ، وفقد قدرتهُ على تكوين حالة مغايرة من الممكن ان تُسهم باستقراره وبالتالي شعوره بالتيه في هذا العالم أو البقاء وحيداً بسبب حساسيته الفائقة وقلقه الدائم، حيث يرى سعادة الآخرين سعادة ولادية، مما يخلق لديه صراعاً بين الفردانيه والمجتمع والألم والحسرة ، بين رغبته في الاندماج بالبشر وبين حاجته المستمره للعودة بالسخط والغضب بها بعيداً مما يخلق منهُ انساناً صعب المراس وينتج منهُ عنصراً سليطاً غير مسيَطر عليهِ .
لهذا أمسى الانسان ينظر إلى العالم والطبيعة والمجتمع والفرد من زاوية كالحة لا تطاق. ما الخير والسعادة عندهما إلا أمور سلبية سرعان ما تأتي سرعان ما تزول، لأن الحياة ملؤها التعب ليس فيها سكينة طوال الامتداد الزمني .
لهذا التوضيح يجب ان يكون هكذا ، الانسان من الممكن ان يولد فطرياً بسلوكيات مؤذية وعدوانية .. او من الممكن ان يكتسبها بشكل او بأخر .. قد يكون الدين مقوماً بسيطاً جداً وقد تكون العادات والتقاليد ايضاً رادعاً ابسط ، لكن من المستحيل ان نخلق حالية سلَمية جداً من اي انسان ما دامت الظروف المحيطة بهَ ظروف قاهرة وتزيد من احتمالية عدوانيتهِ .. ووقتها لا يمكن للدين ان يمنع فرداً ساخطاً من الممكن ان يفعل المستحيل لكي يرَضي رغباتهِ .. ولا يمكن ايضاً للعادات والتقاليد ان تُحييد فرداً سيفعل كُل ما هو ممكن ليصل لمُراده .