المعلّم وضرورة تلبية احتياجاته
احمد عبد الحسين
المعلّم هو النواة الأولى التي يبدأ منها بناء الإنسان، واللبنة الأساسية التي تُشيّد عليها دعائم المجتمع. فحين نتحدث عن التعليم، فإننا نتحدث أولاً عن المعلّم، بوصفه حجر الزاوية في العملية التربوية والاكاديمية. في العراق، لا يمكن تصور أي إصلاح حقيقي أو نهضة علمية من دون الاهتمام بالمعلّم، لأنه هو الذي يحمل رسالة التربية، ويواجه التحديات اليومية داخل الصفوف، ويسهم بشكل مباشر في تشكيل وعي الأجيال القادمة. فالمعلّم ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل هو مربي وموجه وصانع للتغيير.
ورغم هذه المكانة الجوهرية، فإن المعلّم العراقي يعاني منذ سنوات من تهميش واضح وإهمال رسمي على مستويات متعددة. فمخصصاته لا تتناسب مع حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه، والبيئة المدرسية التي يعمل فيها في كثير من الأحيان تفتقر إلى أبسط مقومات التعليم الحديث. كما يُحرم الكثير من المعلّمين من فرص التدريب والتأهيل المستمر، ويُضطر بعضهم للعمل في مهن أخرى لتأمين لقمة العيش. هذه المعاناة اليومية تقوّض من قدرة المعلم على أداء دوره الحقيقي، وتنعكس سلباً على جودة التعليم ككل.
في الوقت الراهن، تشهد الساحة التربوية في العراق حراكاً واسعاً ومطالب متزايدة من الكوادر التعليمية، تعبر عن أمل مشروع في حياة كريمة، وضمانات وظيفية عادلة. تشمل هذه المطالب تحسين الرواتب بما يتناسب مع الظروف المعيشية الحالية، توفير السكن، شمول المعلمين بخدمات الضمان الصحي، دعمهم مادياً ومعنوياً، والارتقاء بمكانتهم داخل المجتمع. وهي مطالب مشروعة لا تهدف إلى امتيازات خاصة، بل إلى رفع الظلم عن شريحة تمثل العمود الفقري للمجتمع العراقي.
إن من الضروري اليوم أن تتعامل الحكومة العراقية مع هذه المطالب بجدية ومسؤولية، وأن تعيد النظر في سياساتها تجاه المعلم، لا من باب الاستجابة لضغط الشارع، بل من منطلق الإيمان الحقيقي بأن أي استثمار في المعلم هو استثمار في حاضر العراق ومستقبله. فلا يمكن أن نبني جيلاً متعلماً وواعياً ونحن نهمل من يعلّمه ويربيه.
إن إنصاف المعلّم العراقي ليس مجرد مطلب نقابي أو دعوة ظرفية، بل هو واجب وطني وأخلاقي، لأنه من دون معلّم محترم ومُقدّر، لن يكون هناك تعليم ناجح، ولا مجتمع مزدهر. الوقوف مع المعلمين اليوم هو وقوف مع العراق، ومع مستقبله، ومع الأمل في غدٍ أفضل. لذا، يجب أن تتوحد الجهود لدعم هذه الشريحة النبيلة، وتلبية احتياجاتها، كي تظل شعلة العلم مضيئة في كل زاوية من زوايا الوطن.