الملتقى الثقافي النعماني

القمامة الرقمية في صناعة التفاهة وتفاعل الجمهور معها

حازم محمد الصائغ

يكتسح التركي ‘ياسين’ مواقع التواصل الاجتماعي جانيا ملايين الدولار من وقع هزات ‘ كرشه ‘ المنتفخ، وتحصد العراقية ‘سارة’ ملايين المشاهدات من خلال قيامها بعملية قلي البيض او تنظيف المنزل مستعرضة بجسمها وملابسها الفاضحة.
عندما تتحدث عن نفسك قلل إحساسك بذاتك إلى شىء لا معنى له، فلم يعُد هناك اقتحام للباستيل و البارِجة الروسيّة “أورورا” لم تُطلِق طلقةً واحدةً باتّجاه اليابان و مع ذلك فقد تم شنّ الهجوم بنجاح، بهذه الكلمات يرسم المفكر الكندي الان دونو في كتابه ‘نظام التفاهة ‘ صورة بانورامية لسيطرة التافهين وسيادة التفاهة وتحولها الى نظام اجتماعي يحكم العالم .

تشهد وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي زخمًا متزايدًا من الناس الذين ينجذبون إلى المحتوى التافه والهابط والغير مهم، فما هي الأسباب وراء هذه الظاهرة القلقة؟ وكيف يمكننا التصدي لها؟

إن جاذبية المحتوى التافه والغير مهم يمكن أن تفسر بعدة عوامل، منها رغبة الناس في الهروب من الواقع والاسترخاء بعيدًا عن الضغوطات اليومية. كما يلعب الفضول دورًا في استكشاف ما هو جديد ومثير، حتى لو كانت هذه المواضيع تافهة.
اذ تلعب وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في تعزيز هذه الظاهرة، حيث يتم تسليم المحتوى التافه للجمهور بشكل كبير، مما يزيد من انتشاره وجذب المزيد من الاشخاص.
تنطوي هذه الظاهرة بآثار سلبية على المجتمع، منها تقليل مستوى الوعي والتفكير النقدي للأفراد، وتشجيع الاستهلاك السطحي للمعلومات دون تحليلها أو تقييمها.

يعطينا دونو خمسة نماذج لشخصيات يحبذها نظام التفاهة وبالتالي يحرص على إنتاجها وإعادة إنتاجها وهي 1- النائم : وهو نوع يائس أمام التفاهة التي تحاصره.
2- التافه بطبيعته : يحب أن يصدق النظام
3-التافه المتعصب :الباحث عن حظوظه ضمن هذا النظام وبالتالي المدافع عنه، فكل تهديد لنظام التفاهة هو تهديد لوجوده
4- التافه رغماً عنه: اجبرته الظروف لخدمة نظام التفاهة من إعالة الأبناء وبلوغ مواقع اجتماعية وتحقيق إشباعاته.
5- الطائش: ينتقد هذا النظام وهو من اكثر المستفيدين من وجوده.
قد يتبادر لذهننا ونحن نقرأ تصنيف دونو انه من الصعب على المعاصرين أن يفلتوا من هذه النماذج الخمسة، حيث يتغلغل نظام التفاهة في العديد من جوانب الحياة اليومية والثقافية والاجتماعية، ومع ذلك يمكن للأفراد الواعين والمتمسكين بقيمهم الشخصية والمبادئ الأخلاقية الخروج عن هذه النماذج والتصدي لها بإيجابية وإبداعية.
فالتصدي لهذه الظاهرة يتطلب جهودًا مشتركة من الأفراد والمؤسسات الحكومية والإعلامية، من خلال تعزيز الوعي بأهمية اختيار المحتوى الذي يغني الفرد ويثري ثقافته، كما يجب توعية المتلقي بعدم متابعة صناع التفاهة لانه بذلك يساعدهم في انتاج بضاعتهم الرخيصة، كذلك من واجب وسائل الإعلام بمسؤوليتها الاجتماعية ان تقدم محتوى ذو جودة وقيمة يساهم في تطوير المجتمع.
ان ادراكنا وفهمنا العميق لهذه الظاهرة يمكن أن يلقي الضوء على تحدياتنا الثقافية والاجتماعية. وعليه يجب ان نكون متيقظين ومدركين لقوتنا في اختيار المحتوى الجيد والمفيد الذي نتفاعل معه ونستهلكه، ولنعمل جميعًا على تعزيز ثقافة الاختيار الواعي والمسؤول. ولنكن جميعًا محركي التغيير نحو عالم أكثر ثراءً ثقافيًا وأكثر إلهامًا للجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *