الانتخابات حق دستوري
مجيد القريشي
الانتخابات هي حق دستوري، وطريقة متطورة لاختيار ممثلي الشعب، وهي بين التعطيل والتفعيل”. تحمل في طياتها إشكالية سياسية ودستورية عميقة، وسنحاول أن نبين أهميتها والمعوقات التي تصاحبها لما لها من أهمية في تشكيل الحكومات، ولأن شرعيتها تمتد إلى حكومة كاملة لأربع سنوات.
الانتخابات كحق دستوري
تُعتبر الانتخابات من أبرز مظاهر الممارسة الديمقراطية في العراق بعد 2003، وقد أفرزت حكومات عديدة وحصل من خلالها تداول سلمي للسلطة. وهي وسيلة يعبّر بها الشعب عن إرادته ويختار من يمثله. وبالتالي، فهي حق دستوري أصيل لا يجوز تعطيله أو التلاعب به، سواء على مستوى الانتخابات التشريعية أو الرئاسية أو المحلية.
قد يُعطل هذا الحق بفعل عدة عوامل:
- أزمات سياسية تؤدي إلى تمديد المجالس أو الحكومات خلافاً للآجال الدستورية.
- تدخلات خارجية أو داخلية تعرقل تنظيم الانتخابات في وقتها.
- ثغرات قانونية أو تفسيرات دستورية مجتزأة تتيح تبرير التأجيل وتلتف على المواعيد الدستورية.
- أوضاع أمنية أو صحية (كما حدث مع جائحة كورونا) تُستخدم ذريعة للتأجيل.
وعلى الحكومة والشعب، كل من موقعه، احترام المواعيد الدستورية دون تأجيل غير مبرر، وتوفير البيئة المناسبة لمشاركة حرة ونزيهة، وضمان الشفافية والرقابة الدولية والحزبية. ويجب تحييد المؤسسات الرسمية عن التوظيف السياسي لصالح طرف دون آخر؛ فلا يجوز تسخير السلطة لصالح المسؤول، فهذا مؤشر يدل على عدم عدالة الترويج والتأثير على الناخب.
الانتخابات واقعٌ تتجاذبه إرادتان: إرادة شعبية وقانونية تطالب بتفعيل الانتخابات كحق دستوري ومهم لديمومة الحكومات وتطبيق رؤيتها، وإرادة سياسية قد تسعى لتعطيله ومقاطعته من أجل غايات وأهداف معينة، منها إصلاحية ومنها التخلي عن الخصوم السياسية. كذلك، تظهر حالة أخرى وهي عدم قناعة المواطن بالعملية الانتخابية، حيث تعتبر إفرازاتها غير ملبية لتطلعات الشعب.
وبالتالي، الانتخابات ليست مجرد استحقاق دستوري، بل هي صمام أمان للنظام الديمقراطي، تُقيس مدى التزام الدولة ومؤسساتها بالدستور، ومدى وعي الشعوب بحقوقها وقدرتها على الدفاع عنها.
دور المواطن في نجاح الانتخابات
للمواطن دور محوري وأساسي، لأن العملية الانتخابية لا تكتمل إلا بمشاركة فعالة وواعية من أفراد المجتمع. ويمكن تلخيص هذا الدور في:
- المشاركة الفعلية**: الإقبال على صناديق الاقتراع يُعد الخطوة الأولى والأساسية، لأن المشاركة تعني رغبة الشعب وإفرازاته.
- الامتناع عن التصويت**: يُضعف الشرعية الديمقراطية ويفتح المجال لتسلط الأقلية، ويتيح فوز المتربصين للحكم ممن لهم كتل انتخابية موجهة.
- الاختيار الواعي: يجب على المواطن أن يكون مُطلعاً على برامج المرشحين وخلفياتهم، والابتعاد عن التصويت القائم على العصبية أو المصالح الشخصية الضيقة، واختيار من يخدم الصالح العام.
يجب أن تحظى الانتخابات برقابة شعبية، لأن المواطن ليس فقط ناخباً، بل أيضاً رقيباً على سير العملية الانتخابية. فهو من يرصد أي مخالفة تربك العملية الانتخابية من بيع للأصوات وترويج غير قانوني. وقد أتاحت المفوضية حق الشكوى والطعن للجميع، لذلك يُعتبر التبليغ عن التجاوزات، ورفض الرشوة الانتخابية، ومحاربة شراء الأصوات من مسؤولياته الأساسية.
نشر الوعي الانتخابي
يُعد نشر الوعي الانتخابي مفصلاً مهماً في ترسيخ هذه الثقافة الضرورية لمستقبل أفضل وجيل واعٍ يعرف كيف ينتخب ممثليه. يمكن للمواطن الواعي المساهمة في توعية محيطه بأهمية الانتخابات وضرورة المشاركة فيها، ويمكنه استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو المبادرات المدنية لنشر ثقافة الانتخاب.
كما أن الالتزام بالقانون واحترام القوانين والإجراءات الانتخابية يُسهم في نزاهة العملية، وعدم الانجرار إلى الفوضى أو العنف مهما كانت النتيجة. فالانتخابات يوجد فيها الخاسر والفائز.
إن سرعة عرض النتائج للرأي العام تولد أريحية شعبية، وتزيد الثقة بمفوضية الانتخابات، لأن أي تعطيل هو مؤشر على تلاعب بسبب الصراع السياسي الكبير على السلطة. نجاح الانتخابات لا يُقاس فقط بسلامة التنظيم أو الحضور الدولي، بل يُقاس أولاً بمدى وعي المواطن بدوره ومسؤوليته. فبصوته، يقرر شكل الحكم، وبمشاركته، يُرسّخ مبدأ الديمقراطية.