ما بعد القمم… مرارة الانتظار: حملة الشهادات العليا في العراق بين الإنجاز والخذلان
حازم الصائغ
“كن من الأوائل، واجتهد، وواصل دراستك… فالمستقبل لك.”
بهذه العبارات كبرنا، وفي قاعات الدراسة كبر الحلم معنا. كنا نظن أن طريق العلم وحده كفيل بأن يفتح لنا أبواب الحياة الكريمة، وأن شهادة الماجستير أو الدكتوراه ليست مجرد ورقة، بل مفتاحاً للفرص، وجواز عبور نحو خدمة الوطن وتحقيق الذات.
لكن الواقع صفعنا بقسوة.
اليوم، يقف آلاف من حملة الشهادات العليا على رصيف الانتظار. بعضهم ممن حصلوا على الماجستير أو الدكتوراه داخل العراق، وآخرون تغرّبوا لسنواتٍ طويلة، بعيدًا عن الأهل والأرض، وتحملوا مشقة الغربة والمصاريف الباهظة، فقط من أجل أن يعودوا بخبرةٍ أكاديمية وشهادة مرموقة.
وماذا بعد؟
لا تعيين، لا فرص، لا اهتمام حقيقي.
كم من باحثٍ قضى عمره بين الكتب والمختبرات، فقط ليجد نفسه بعدها يبيع الخضار، أو يعمل سائق أجرة؟! وكم من أوائل البكالوريوس لم يُمنح حتى أمل التقديم على وظيفة حكومية، بينما تُعيَّن المحسوبيات ويتصدر المشهد من لم يطرق باب العلم يوماً؟
إنها ليست شكوى فردية، بل وجعٌ جماعي يعيشه جيلٌ كامل. جيل ظنّ أن بوابة النهوض بالوطن تمر من قاعات الجامعات، فإذا بها تُغلق بوجهه، ويُترك في العراء بلا تقدير ولا احتضان.
الدولة اليوم مدعوة لإعادة النظر في سياساتها تجاه الطاقات العلمية. فلا نهضة تُبنى دون عقل، ولا مستقبل يُصاغ دون علماء.
والمجتمع بحاجة إلى ثورة وعيٍ تُعيد للعلم هيبته، وللشهادات العليا احترامها، وللأمل موضعه في نفوس الشباب.
نحن لا نطلب صدقة، بل نطالب باستحقاق.
نريد وظيفة لا وجاهة، فرصة لا شفقة، اعترافًا لا تهميشًا.
مجلس الخدمة العامة الاتحادي اعلن عن قرب إطلاق “الكودات” الخاصة بالوجبة الثالثة من تعيينات حملة الشهادات العليا والخريجين الأوائل. وبحسب تصريحات المجلس، فإن المرحلة الثالثة ستشمل 8 آلاف متقدم، مع التأكيد على أن حقوق جميع حملة الشهادات العليا والأوائل محفوظة.
إلا أن هذا الإعلان لم يخفف من قلق المتقدمين، خاصة في ظل تأخر إطلاق الكودات، مما دفع البعض إلى التظاهر أمام مجلس الخدمة للمطالبة بتسريع الإجراءات.
فهل ستكون الوجبة الثالثة بداية لحل جذري لمشكلة بطالة الكفاءات، أم أنها مجرد خطوة أخرى في طريق الانتظار الطويل؟