الهوية الرقمية وحماية الخصوصية: تحت مخاطر الاختراق والتجسس الإلكتروني
طارق المياحي
في عالم تتسارع فيه التحولات التكنولوجية بشكل غير مسبوق أصبحت الهوية الرقمية أحد أهم الأصول التي يمتلكها الفرد في الفضاء الإلكتروني فهذه الهوية لم تعد تقتصر على الاسم ورقم الهاتف بل باتت تشمل كل أثر رقمي نتركه خلفنا من معلومات الدخول إلى المواقع إلى تاريخ التصفح وصولًا إلى بياناتنا الصحية والمصرفية.
رغم ما توفره هذه الهوية من تسهيلات في الحياة اليومية فإنها أصبحت في الوقت ذاته هدفا رئيسيا للهجمات السيبرانية. فاليوم لم يعد اختراق الحسابات أو سرقة البيانات مجرد احتمالات بل واقع نشهده يوميا في صور مختلفة من بينها الاحتيال الإلكتروني الابتزاز وانتهاك الخصوصية.
واحدة من أبرز التحديات التي تواجه مستخدمي الإنترنت هي التجسس الرقمي فالكثير من التطبيقات والمواقع تجمع بيانات المستخدمين دون علمهم وتقوم ببيعها أو مشاركتها مع أطراف ثالثة لأغراض تجارية أو حتى سياسية. وتزداد الخطورة عندما تكون هذه البيانات في يد جهات لا تخضع لأي رقابة قانونية حقيقية.
في العراق ومع بدء خطوات رقمنة الخدمات الحكومية تبرز الحاجة الملحّة إلى سن تشريعات تحمي بيانات المواطنين وتمنع استخدامها أو استغلالها خارج الأطر القانونية فبدون منظومة حماية واضحة، قد تتحول مشاريع التحول الرقمي إلى أبواب مفتوحة للاختراق تهدد خصوصية ملايين المستخدمين.
من المؤسف أن الكثير من المستخدمين لا يدركون مدى هشاشة معلوماتهم الرقمية. فالإيميل غير المؤمن أو كلمة المرور الضعيفة أو الاتصال بشبكات Wi-Fi عامة كلّها مداخل يستغلها المخترقون للوصول إلى البيانات وسرقتها.
ومع تزايد الحديث عن “التحول الرقمي” و”الحكومة الإلكترونية”ينبغي أن يكون الحديث عن أمن المعلومات جزءا أساسيا من هذا التوجه. فالتقدم لا يقاس فقط بسرعة الإنجاز الرقمي بل بمدى قدرة هذا التقدم على حماية المواطن من الأخطار الرقمية.
التجسس الإلكتروني لا يهدد الأفراد فقط بل قد يشكل خطرا على الأمن القومي إذا ما وصلت البيانات إلى جهات معادية أو تم استخدامها للتأثير على الرأي العام أو اختراق مؤسسات الدولة.
وفي ظل اتساع رقعة التهديدات الإلكترونية، لم يعد مقبولًا أن تبقى حماية الخصوصية مسألة ثانوية. فكما أن للدولة حدودًا جغرافية تحتاج للحماية فإن للمواطن حدودا رقمية يجب أن تصان.
إن مستقبلنا الرقمي لا يمكن بناؤه على أرضية رخوة من الثغرات والانتهاكات. علينا جميعًا — أفرادا، ومؤسسات، وحكومات — أن نُدرك أن الخصوصية الرقمية هي حق، وليست رفاهية. وإلا فسيكون الثمن باهظا