بين العلم والأدب : من يستر من؟
طارق المياحي
في كل مجتمع نرى مشهدا يتكرر : أشخاص يحملون اعلى الشهادات لكن سلوكهم يفتقر الى الذوق وآخرون بسطاء في تعليمهم لكنهم يملكون قدراً من الأدب يجعلهم قدوة للآخرين هنا يبرز سؤال لا يمكن تجاهله : هل العلم يغطي قلة الأدب ام ان الادب هو الذي يغطي قلة العلم؟
ان العلم بلا شك هو أساس التطور وبوابة التقدم لكنه وحده لا يكفي لصناعة انسان محترم فكم من متعلم يسيء الحديث والتصرف ويستخدم علمه في الاستعلاء على الآخرين وكم من حامل شهادة لا يعرف ابسط قواعد التعامل الراقي هذا الواقع يؤكد ان الشهادة لا تمنح صاحبها الأخلاق تلقائيا
وعلى النقيض هناك أناس لم ينالوا من التعليم إلا القليل لكنهم يملكون من حسن الخلق ما يرفعهم في عيون الجميع هؤلاء يبرهنون ان الادب قيمة قائمة بذاتها وان الاخلاق قد تستر نقص العلم بينما العلم قليلا ما يستطيع أن يستر نقص الاخلاق
حتى في العمل العام والسياسة والاعلام يظهر الفرق بين من جمع العلم والادب وبين من فصل بينهما الأول يبني سمعة طيبة ويترك أثرا ايجابيا والثاني قد ينجح مؤقتا لكنه يخسر القلوب سريعا وهكذا يتحول الأدب الى رصيد معنوي لا يقل قيمة عن اي شهادة او لقب
ولا يعني ذلك التقليل من شأن العلم فهو اساس التقدم ومصدر القوة لأي امة لكنه يصبح بلا قيمة حين يستخدم بلا خلق او يقترن بالغرور والاستعلاء العلم بلا ادب يشبه سفينة بلا بوصلة تتحرك بسرعة لكن بلا اتجاه اما الأدب فهو الذي يمنح العلم معنى ويضبط مساره في خدمة الانسان لا في أذيته
ان بناء مجتمع متوازن يتطلب تربية جيل يجمع بين جناحي التفوق العلم والأدب التربية على الأخلاق لا تقل أهمية عن التعليم الأكاديمي بل تكمله وتمنحه قيمته الحقيقية فالمدارس والجامعات ليست اماكن لتلقين المعارف فحسب بل ساحات لصناعة الانسان المتحضر المسؤول
الدرس اصبح واضحا الأدب قد يعوض نقص العلم في نظر الناس لكن العلم لا يستطيع أن يعوض نقص الأدب انسان متأدب قليل العلم قد يكسب القلوب ويحترم اما متعلم بلا ادب فيخسر ذاته قبل ان يخسر احترام الآخرين وبناء مجتمع متوازن يبدأ من هذه الحقيقة البسيطة.