كل البنايات “فرن مؤجل”: احتراق الهايبر ماركت في الكوت يفضح الإهمال القاتل
طارق المياحي
لم تكن ليلة عادية في مدينة الكوت ولم يكن الحريق مجرد لهب تسلل من سلك كهربائي ما اشتعل في ذلك المساء لم يكن فقط مبنى تجاري بل إحساس الناس بالأمان وذاك الإيمان المفقود بأننا في مدينة تحمي أبناءها.
احترق الهايبر ماركت فاحترقت معه أرواح وأرزاق وذكريات كانت تتردد في زوايا المكان.
تلك الأرفف التي كانت تفيض بالحياة تحولت في دقائق إلى رماد والضحكات التي كانت تتردد بين الممرات سكتت تماما تحت وطأة الدخان والنار.
كل من نجا من تلك الكارثة لم يخرج سالما فهناك نيران لا تحرق الجسد بل تشتعل في الداخل ولا تنطفئ.
أمام الركام وقف الناس يبكون لا أحد يعرف من يلوم أولًا… النار، الكهرباء، البلدية، أم سنوات من الصمت والإهمال…؟
الكل يعرف أن المبنى كان يفتقر لأبسط شروط السلامة.
لا مخارج طوارئ!
لا أجهزة إنذار!
لا رقابة!
ولا أحد تحرك قبل أن تزهق الأرواح!
“كل البنايات فرن مؤجل” جملة أصبحت اليوم واقعاً
لسنا بحاجة إلى خبراء هندسية لنعرف أن أغلب بنايات المدينة تحتضر ولا نحتاج إلى لجان تحقيقة كي نفهم أن الحريق لم يكن مفاجئا.
المفاجئ فقط … أن لا أحد تحرك قبل ذلك.
في كل مدينة من مدن العالم عندما تحدث كارثة فتتغير القوانين ويحاسب المقصر أما هنا فالكارثة تحدث…وتنسى.
تنسى الأسماء والوجوه والقصص
ويغلق الملف بـ”اللجنة المشكلة” و”الإجراءات القادمة”.
لكن يتساءل اهالي الضحايا بمرارة:
من منح الترخيص لهذا المكان؟
أين فرق الدفاع المدني من الجولات الدورية؟
لماذا تفتتح الأبنية من دون شروط السلامة؟
الإجابة واحدة تتكرر بعد كل كارثة: لجنة تحقيقة … ووعود بمحاسبة … ثم صمت طويل
الحريق لم يكن أول إنذار…
سبقه عشرات بصمت.
لكننا اعتدنا التأجيل.
نؤجل الصيانة والتفتيش وحتى الشعور بالخطر.
واليوم من قلب الدخان يصرخ سؤال:
متى نتوقف عن التعامل مع الحياة كأنها مؤجلة؟
هل ننتظر أن يشتعل المستشفى؟
او أن تسقط مدرسة؟
أن ينهار مسجد أو دائرة أو روضة؟
ان الهايبر ماركت في الكوت كان مجرد بداية.
لكن نهايات كثيرة تنتظر في الأفق ما لم نتحرك الآن … لا غداً.
المدينة تحترق ببطء.
ليس بالنار وحدها، بل بالصمت