بعد تعثر المفاوضات السورية التركية مرات عديدة… بغداد تغيّر خارطة المواقف
خليل عبد الحميد/ صحفي سوري
منذ بدء الأزمة السورية في عام 2012 بدأت القطيعة الدبلوماسية بين دمشق وأنقرة وأتخذت فيها الأخيرة مواقف حادة سياسيًا إتجاه الحكومة السورية، وتحولت تركيا إلى مقر غير صريح للقوة والشخصيات السياسية والعسكرية المنخرطة بشكل مباشرة بالحرب ضد الشعب السوري بجميع مكوناته، وعملت على فتح حدودها لتوريد السلاح والمقاتلين وبث خطابات الكراهية والتفرقة، وإثرات النعرات لتغذية مشروعهم الصهيوأمريكي في المنطقة مع وضع الجيوسياسية والتهميش الإقتصادي في مرمى حرب باردة حول الغاز الطبيعي، بين عدد من القوى الأقليمية والدولية المرتبطة في الأزمة السورية، في مواجهة محتدمة بين كل من روسيا وإيران وسوريا من جهة، والاتحاد الأوربي وتركيا من جهة أخرى متخذة أشكال عدة من المواجهات العسكرية والسياسية والقضايا المتعلقة بالهجرة والأرهاب تمهيدًا لتغيير خارطة القوة في العالم.
في كل الحروب التي تحصل في عالمنا لابد من طرف ثالث يحل مكان الوسيط ويعمل على تامين بيئة آمنة لمناقشة نزاعاتهم وخلافاتهم، مما يساهم في تفهّم كل طرف لوجهات نظر الآخر وتحديد نقاط الخلاف بين الأطراف وتركيز العمل على تسويتها والتوصل إلى تسوية مرضية لجميع الأطراف، ومن أبرز مهام الوسيط أيضًا تدوين أو تسجيل الاتفاق رسميًا وأن يكون الصك المبرم ملزمًا لجميع الفرق، ولعل أبرز ما يجعل الوساطة أكثر فعالية في وسائل تسوية النزاعات هو توصل أطراف النزاع إلى حلٍ فيما بينهم بدلًا من أن يفرض عليهم من قبل طرف خارجي، مثل التحكيم أو القضاء وبدون الحاجة أيضًا إلى المحاكم الدولية.
من جديد ملف العلاقات السورية التركية إلى الواجهة يرافقه إهتمام إعلامي ويرعاه لاعبون اقليميون، حراك حقيقي بدأت بعض جوانبه تتضح بعد خارطة التقارب الإيراني السعودي الذي قادتها حكومة بغداد وعلى رأسها محمد شياع السوداني، مراحل شاقة إجتازتها العراق في الوساطة بين الرياض وطهران ونقلتها إلى مراحل متقدمة قبل ان يصل الوفدان إلى بكين ويعلنا التوصل إلى مصالحة وتفاهمات جديدة، وفي هذا السياق بادر العراق بخطوات فعالة ليضطلع بدور الوسيط في تعزيز العلاقات بين دمشق و أنقرة، وذلك بهدف تخفيف حدة التوتر في المنطقة وفتح قنوات للحوار والتفاهم المتبادل بين البلدين.
سبق وأن حاولت أطراف إقليمية ودولية عدة معالجة الأزمة الحالصة بين تركيا وسوريا إلا إنها لم تفضي إلى نتائج آخذة، بينما بغداد قطعت أشواطًا مهمة في تقريب المسافة بين البلدين وعقد مصالحة بينهما، وإنهاء الخلافات بشكل جذري والعمل على تنظيم إجتماع بين مسؤولين أتراك وسوريين، وقد يحضر مسؤولون روس للجلوس على طاولة حوار واحدة كمحاولة لإعادة العلاقات إلى مجاريها، وتنطلق مساعي الوساطة العراقية من مصلحة الجميع ولاسيما العراق من ناحية ضبط الأمن والتنسيق بين الدول المجاورة على الصعد كافة، وهذا يعني أنه في حال نجحت المبادرة فستنعكس إيجابًا على دول المنطقة وإلى الآن توصف المحاولة العراقية بالجيدة، وهذا ما أكده عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية العراقية عامر الفايز بقدرة تأثير العراق الإيجابي على أصدقائه وجيرانه من دول المنطقة، ويرى ان الحكومة نجحت بشكل غير مسبوق في إدارة الوساطات بين الدول المختلفة، مما يعزّز دور العراق وإسهاماته في خلق الحياد بعيدًا عن الصراع، ويؤكد الفايز أن بغداد أصبحت الراعية لكل جيرانها من أجل مصالحتهم وحل نزعاتهم وتقديم المساعدة للجميع، من دون محاباة دولة ضد دولة أخرى.
تشير الوقائع إلى أن وساطة السوداني ستنجح في جمع البلدين على طاولة واحدة وتصفية جزء من الخلافات وليس الخلافات كلها، لأنها عميقة ومتشعبة ومرتبطة ليس فقط بالدولتين وإنما هناك دول آخرى مشتركة في ذلك، وشروط تحتفظ بها كلتا الدولتين كمطلب دمشق بإخراج القوات التركية من أراضيها، وأصرار أنقرة بعدم الخروج بحجّة الخوف على أمنها القومي من قوات سوريا الديمقراطية المدعومة بشكل مباشر من واشنطن، فالملف الأمني لدى البلدين قد يبقى عامل تهديد لهما وهذا قد يقلل من الأتفاق على كافة الشروط في مثل هذا التوقيت، وخاصة ضلوع أطرافًا دولية في المعادلة تتمثل في روسيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية الداعة لقوات قسد، ما يعني أن القرار لا يتعلق بالدولتين وهذا قد يأخذ أشواط إضافية ومطولة من المباحثات، فيما تتجه أنظار السوداني إلى الحفاظ على أمن وحدود العراق من ناحية الأرهاب والعمليات العسكرية التركية والسعي الحثيث إلى تحقيق الاستقرار وضبط الحدود من المخاطر عبر تلك الوساطة.