مقالات

الانتخابات بين الجهل والتجهيل وبيع الأوهام وغياب المؤسسات المدنية

صاحب العنزي

تتكرر المشاهد الانتخابية في كل دورة وكأنها مسرحية معادة: شعارات براقة، ووعود غامرة، وخطابات تفيض بالبلاغة . ومع كل موسم، يتجدد السؤال المؤلم: هل ما نعيشه ممارسة ديمقراطية حقيقية، أم موسم لترويج الأوهام؟

لسنا ضدّ الدعاية الانتخابية، فهي حق مشروع ووسيلة للتعريف بالمرشحين وبرامجهم. لكن الخطر يكمن حين تتحول إلى أداةٍ للتجهيل وتزييف الوعي. فبين الجهل، الذي هو وعدٌ بلا معرفة، والتجهيل، الذي هو إقناع الناس بالمستحيل، تضيع الحقيقة، ويُستغلّ بساطة الناس وحاجتهم. هكذا يصبح الفقر ورقة انتخابية، والوعود جسورًا نحو مقاعد السلطة، لا نحو خدمة المواطن.

يزداد هذا المشهد سوءًا مع غياب النقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني عن أداء دورها في التوعية والمراقبة. فحين تصمت المؤسسات التي وُجدت لحماية الحقوق، يعلو صوت الشعارات على صوت العقل، ويتحوّل الناخب إلى متلقٍّ لا فاعل، والمشهد الانتخابي إلى احتفال لغوي بلا مضمون.

لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار للمؤسسات المدنية، ودعم مكاتب استشارية انتخابية مستقلة تُعِدّ البرامج الواقعية، وتراقب تنفيذها، وتغرس ثقافة المحاسبة بدلاً من ثقافة التصفيق.
فالانتخابات ليست سباقًا للكلمات، بل اختبارًا للنضج السياسي والصدق العملي.

إن غلق باب بيع الأوهام لا يتم بالشعارات، بل بالوعي،
ولا يتحقق بالصراخ، بل بالمؤسسات الحيّة التي تحمي الحقيقة من التزييف،

لتبقى الكلمة وعدًا صادقًا… لا بضاعة تُباع بأفصح العبارات

لم تعد الحملات الانتخابية مجرد سباقٍ للكلمات والشعارات. ان العمل الانتخابي الحقيقي هو مشروع إدارةٍ مستمرة، يبدأ قبل الحملة بوقت طويل، ولا ينتهي بالفوز او الخسارة للطامحين ، بل يمتد طوال الدورة الانتخابية عبر التخطيط والمتابعة وصياغة البرامج الواقعية.

من هنا تبرز الحاجة إلى مكاتب استشارية انتخابية متخصصة، لا تقتصر مهمتها على التجميل الإعلامي أو كتابة الشعارات، بل على بناء الوعي السياسي والمؤسسي للطامحين إلى الترشح.
هذه المكاتب يمكن أن تقدّم خدمات نوعية تشمل:
• إعداد برامج انتخابية تستند إلى دراسات ميدانية واقعية.
• تدريب المرشح على مهارات التواصل والقيادة والإقناع.
• متابعة تنفيذ الوعود بعد الفوز، لضمان المصداقية والاستمرارية.

بهذه الآلية يمكن أن تتحول الانتخابات من موسمٍ للدعاية إلى دورةٍ متكاملة من الوعي والمسؤولية، ويصبح المرشح أكثر نضجًا، والناخب أكثر وعيًا، والمشهد العام أكثر صدقًا واتزانًا.

إن تأسيس مثل هذه المكاتب ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة لإصلاح المشهد الانتخابي وإعادة بناء الثقة بين المرشح والناخب على أساسٍ من المصداقية والالتزام، لا على أساس العاطفة والوعود.

وفي نهاية المطاف، ستبقى الحقيقة واحدة:

أن الإصلاح لا يولد من الشعارات، بل من الوعي،
وأن الأوطان لا تُبنى ببيع الأوهام، مهما كانت العبارة فصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *