مقالات

مدارس للبيع؟ عندما يتحول التعليم الأهلي إلى سوق مفتوح

طارق المياحي

لم يعد من المستغرب في العراق أن ترى إعلانا على مواقع التواصل الاجتماعي يقول: “مدرسة أهلية للبيع مع إجازة رسمية ومبنى جاهز”. نعم التعليم لم يعد رسالة بل سلعة تباع وتشترى وأصبحت المدارس الأهلية جزءا من سوق مفتوح لا يخضع لأي رقابة حقيقية.


منذ مطلع الألفية ومع تراجع دور الدولة في دعم التعليم برزت المدارس الأهلية كخيار بديل يسوق له على أنه أكثر تطورا وحداثة ومع غياب الإصلاح الحقيقي في المدارس الحكومية اتجهت الأسر حتى متوسطة الدخل نحو التعليم الخاص بحثا عن بيئة أفضل ولو بتكاليف مرهقة.


لكن المشكلة لم تعد في وجود المدارس الأهلية بل في طغيان الطابع التجاري عليها كثير من هذه المدارس تفتح لأهداف ربحية صرفة دون أدنى اهتمام بالمستوى العلمي أو المهني رواتب المعلمين فيها غالبا ما تكون أقل من نظيرتها في المدارس الحكومية بينما تجبى من الأهالي مبالغ خيالية تفوق دخل الأسرة العادية بكثير.
يتحدث أولياء الأمور عن أقساط تتراوح بين مليونين إلى خمسة ملايين دينار سنويًا، وفي بعض المدارس “الراقية” أكثر من ذلك دون أن يقابلها تعليم حقيقي. الزي المدرسي النقل الدروس الإضافية وكل شيء تقريبا يحسب بمقابل حتى حفلات التخرج والأنشطة البسيطة تتحول إلى فواتير جديدة.


في المقابل لا توجد معايير موحدة أو رقابة صارمة من وزارة التربية فمنح الإجازات لفتح مدرسة أهلية بات يشبه إلى حد كبير منح تراخيص لمشاريع تجارية لا توجد اختبارات جادة للمعلمين ولا تقييم حقيقي للمناهج أو أساليب التدريس. الرقابة إن وجدت شكلية في كثير من الأحيان.

ويزداد الأمر خطورة حين ترتبط بعض المدارس الأهلية بشخصيات متنفذة أو جهات سياسية فتتحول إلى واجهات استثمارية باسم التربية والتعليم بعض المدارس تنجح فقط بفضل علاقاتها لا بكفاءتها وتحصل على نسب نجاح عالية مشكوك فيها وتسجل كـ”مدارس نموذجية” رغم أنها لا تملك مقومات الجودة.


أما المعلمون العاملون في هذا القطاع فهم الحلقة الأضعف يجبر بعضهم على توقيع عقود برواتب منخفضة دون تأمين صحي أو ضمان اجتماعي ويتردد في الكواليس أن بعض المدارس تهدد المعلم بالفصل أو الخصم إذا لم يتماش مع “سياسات النجاح الكامل” التي ترفع من سمعة المدرسة أمام الأهالي، ولو على حساب المصداقية.


والطلاب؟ يتخرج الكثير منهم دون مهارات حقيقية وقد يتعودون على بيئة تعتمد على الدفع لا الجهد، ما يكرس فكرة أن المال قادر على تجاوز كل شيء… حتى الفشل.

هل التعليم الأهلي مفيد؟ نعم حين يكون خاضعا لمعايير جودة حقيقية ويكمل دور الدولة لا ينافسها تجاريا. أما ما يحدث اليوم فهو أقرب إلى خصخصة فوضوية للتعليم تهدد مبدأ تكافؤ الفرص وتعمق الفجوة بين الطبقات.
إذا استمر الحال على ما هو عليه فستصبح المدرسة الجيدة امتيازا للأثرياء فقط، وسيترك ملايين الطلبة في مدارس حكومية متهالكة أو مدارس أهلية تسعى للربح لا للتربية.
التعليم ليس مشروعا تجاريا… وعندما يباع فالقيمة الأولى التي تفقد هي القيمة الإنسانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *