مقالات

الوعود الانتخابية بين الواقع والطموح

صاحب العنزي

تُعدّ الوعود الانتخابية جزءاً أساسياً من الحملات السياسية، إذ يعتمد عليها المرشحون لاستمالة الناخبين وكسب ثقتهم. غير أن هذه الوعود كثيراً ما تبقى حبيسة الخطابات والشعارات، مما يثير التساؤل حول مدى واقعيتها، وحدود الطموح أمام القيود التي يفرضها الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

أولاً: مفهوم الوعود الانتخابية

الوعود الانتخابية هي التعهدات التي يقدمها المرشحون أو الأحزاب للناخبين خلال الحملات الانتخابية، وتشمل عادةً قضايا مثل تحسين المعيشة، خلق فرص العمل، مكافحة الفساد، وتطوير الخدمات العامة.
وهي تعكس رؤية المرشح للمستقبل، لكنها في الوقت نفسه تمثل اختباراً لمصداقيته وقدرته على تحويل الأقوال إلى أفعال.

ثانياً: الطموح في الوعود الانتخابية

الطموح عنصر طبيعي في الخطاب السياسي، فالمرشح يسعى إلى بث الأمل وإقناع الناس بقدرته على التغيير.
لكن الطموح المفرط قد يتحول إلى وهم عندما تتجاوز الوعود حدود الإمكانيات الواقعية، فتغدو أقرب إلى الشعارات الدعائية منها إلى الخطط القابلة للتنفيذ.

ثالثاً: بين الجهل والاستغلال في إطلاق الوعود

يمكن التمييز بين نوعين من المرشحين عند تحليل الفجوة بين الوعود والتنفيذ:

  1. المرشح الجاهل بالعقبات:
    يطلق هذا النوع من المرشحين وعوداً طموحة دون إدراك حقيقي لما يواجهه من قيود مالية أو قانونية أو إدارية.
    قد تكون نواياه حسنة، لكنه يفتقر إلى الخبرة والمعرفة بآليات العمل الواقعي، فيكتشف بعد فوزه أن تحقيق تلك الوعود أصعب بكثير مما تصور.
    وبالتالي، يتحول الحماس والطموح إلى خيبة أمل لدى المواطنين الذين صدقوه.
  2. المرشح الذي يعلم لكنه يستغل:
    هذا النوع أخطر، لأنه يدرك جيداً استحالة تنفيذ وعوده، لكنه يختار الخداع المتعمد لاستمالة البسطاء وكسب أصواتهم.
    يستغل ضعف الوعي السياسي لدى البعض ويقدّم شعارات براقة يعرف مسبقاً أنها فارغة المضمون.

هذا السلوك لا يعبّر فقط عن انعدام المصداقية، بل يشكل تلاعباً بإرادة الشعب وتقويضاً لمفهوم الديمقراطية ذاته.

رابعاً: الواقع وحدود التنفيذ

بعد الانتخابات، يصطدم المرشح الفائز بالواقع العملي الذي قد يعوق تنفيذ برنامجه، ومن أبرز هذه العقبات:
• ضعف الإمكانيات المالية والاقتصادية.
• البيروقراطية الإدارية المعقدة.
• المعارضة السياسية داخل المؤسسات.
• الظروف الإقليمية والدولية المؤثرة في القرار الوطني.

هذه التحديات تجعل تحقيق كل الوعود أمراً صعباً، مما يفرض على السياسي أن يكون واقعياً في وعوده ومدركاً لحدود الممكن.

خامساً: أثر الفجوة على ثقة المواطن

كلما اتسعت الفجوة بين ما وُعد به الناس وما تحقق فعلياً، تراجعت ثقة المواطنين في السياسيين، وانتشر الإحباط والعزوف عن المشاركة في الانتخابات.
أما حين يلتزم السياسي بجزء من وعوده ويصارح الناس بما يمكن تنفيذه وما لا يمكن، فإنه يعزز الثقة المتبادلة ويجعل من السياسة عملاً مسؤولاً لا مسرحاً للكلام.

سادساً: نحو وعود واقعية ومسؤولة

لتقليص الفجوة بين الطموح والواقع، ينبغي أن:

  1. تُبنى البرامج الانتخابية على دراسات علمية وبيانات دقيقة.
  2. تكون الوعود قابلة للقياس والتنفيذ.
  3. يُفعّل مبدأ المساءلة والشفافية بعد الانتخابات.
  4. يتحلى الناخب بالوعي الكافي لتمييز الصادق من المضلِّل

إن الوعود الانتخابية ليست مجرد كلمات تُقال في موسم انتخابي، بل هي عهد أخلاقي بين المرشح والناخب.
وعندما يعي السياسي حدود الواقع دون أن يفقد طموحه، يصبح قادراً على تحقيق التوازن بين الحلم والإمكان، بين الطموح والواقع.
فالسياسة الحقيقية هي فنّ تحقيق الممكن، دون التخلي عن الأمل في الأفضل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *