قطوف من ذلك الزمان

غرق الثريمة ( الطبكة ) دراما حقيقية مؤلمة

حازم محمد الصائغ

الثريمة او الطبكة , وهو اسم للعبارة التي كانت تقوم بنقل المسافرين عبر النهر وتقوم مقام جسر متحرك , ولفظة ثريمة لم يعرف معناها الا انه كانت توجد اراضي في شمال الكوت تعرف باسم اراضي الثريمة وضع يده عليها السلطان العثماني عبد الحميد وهناك ايضا نهر في محافظة القادسية في قضاء عفك، وترتبط ذكرى ثريمة النعمانية بماساة حقيقية ظلت حدثا مؤلما تتوارث اجيال النعمانيين قصته.

تبدأ الحكاية في يوم الجمعة 23 صفر عام 1360 الموافق 19 / 3 /1941 بدا يوما غير عادي حيث كان الجو عاصف ممطر والرياج جنوبية شرقية وهذا النوع من الرياح يجعل مياه النهر عالية وذات امواج متلاطمة خصوصا في تلك الايام التي كانت تشهد ارتفاع مناسيب نهر دجلة , فالجو كان يشير الى عدم صلاحيته للملاحة في النهر الذي تمخره السفن بمختلف حمولاتها فأمر مدير الناحية انذاك بعدم استخدام الثريمة حتتى تتحسن احوال الطقس.

(ربان) الثريمة في ذلك الوقت كان المرحوم داخل والد منعم الذي نفذ اوامر مدير الناحية فتعطل الناس وظلوا ينتظرون تحسن الاحوال الجوية لكن المفاجأة ان مأمور المركز وهو مفوض كانت له سلطته وهيمنته فهو يحكم بسبب قوة القانون قرر العبور هو وعائلته المكونه منه ومن زوجته وابنته , فطلب من المرحوم داخل ان يهيء العبارة للعبور فرفض واصر على الرفض لكن المامور اصر على العبور , وطلب من معاون الربان المرحوم علي الحسن عم هاشم مهدي الحسن ان يقوم مقام الربان وينطلق بالثريمة وكان هذا بعد ظهر ذلك اليوم , وازدحم الناس للعبور وما زاد الطين بلة ان باصا خشبيا كان تعود ملكيته لسائق بغدادي كان قد استاجره موكب زوار الاربعين ( الانصار ) ينتظر العبور .. وهذا الباص استاجره النعمانيون للسنة الثانية لنقل زائري اربعينية الامام الحسين عليه السلام للسنة الثانية على التوالي , حيث كانت هذه المرة الثانية التي يشارك فيها النعمانيون في مراسم الزيارة كموكب كان يعرف بموكب اهالي النعمانية , وقبل سنة 1940 لم تكن هناك مواكب تذهب لزيارةالاربعين من المناطق البعيدة عن محيط كربلاء وكانت المواكب تقتصر على كربلاء والمناطق القريبة منها .. صعد الناس وحملت الثريمة بحزم الصوف ( الشلفان ) وايضا حمل الباص بالمسافرين والبضائع وكان من ضمن الركاب على سطح الثريمة المفوض وعائلته.

وبدأت الثريمه بالانطلاق متحركة لمسافة قليلة مبتعدة عن الجرف في منطقة انطلاقها مقابل السوق الكبير امام بيت السيد محسن الحبوبي ( بالقرب من منطقة البير ) لكن تحرك الباص الذي وضع في مقدمتها جعلها تميل من جانبها ويختل توازنها فغمرتها المياه وحدث ارتباك فنزلت الى عمق النهار في مشهد يصفه من شاهده ومنهم الحاج فاضل حاج اسماعيل , بانه كان مرعبا فبين صراخ الركاب وعجز الناس الذي تجمعوا بدا المشهد ماساويا بامتياز وصار الناس يقفزون للنهر فرارا من الخطر الى الموت على امل النجاة , وهنا هب الناس لاستدعاء مركب نهري يعود الى اوهان اسطيفان , وهو مسيحي نعماني من ملاك الاراضي كان يقيم في النعمانية مع اخوته ارام واسكندر* صاحب البانزيخانة , وتعلق بعض الركاب بحزم الصوف واخرون بكل ما تيسر وقام المركب بدور في الانقاذ , وانتهت القصة بغرق العبارة وغرق 30 نفر من ركاب الثريمة , وكان من ضمن الغرقى زوجة المفوض الذي نجا من الغرق ونجت ابنته بعد ان تعلقت بلوح خشبي. ومن الغرقى اخوة المرحوم حاج هدايات ( اثنان ) ونائب الربان المرحوم علي الحسن … وفقد محمد كريم ماسبي وكان يعمل في علوة المرحوم ياسين جبار اربعة من اخوته وابناء عمه وكانوا عائلة واحده
ومن الناجين كان حجي يوسف الشهري وكوكز صاحب السايق ومهدي ابو حميد جد جعفر موسى والاخير لايعرف السباحة وتمسك بشلفان الصوف واخذه الموج (الروج) الى الجرف وهناك شخص من الريف نجى بواسطة فرسه وآخر بواسطة بقرته وهناك من غرق وهو يعرف السباحة لان الروج عالي والنهر (الشط )مرتفع بالماء
كذلك كان من ضمن الموجودين والناجين المرحوم حميد محمد لفته الشمري وولدت لاخته بنت اطلقوا عليها اسم غركانه حفظها الله واطال بعمرها.

ومن المواقف التي تذكر هو ماقام به المرحوم كاظم ياس عندما قفز الى النهر واخذ بانقاذ الغرقى
وكذلك وقف اهل النعمانية وقفة مشرفة ﻻنقاذ مايمكن انقاذه منذ اللحظة الاولى ولاكثر من اسبوع يواسون ذوي الضحايا ونصبوا المآتم بشارع الشط(الكورنيش) وفتحت بيوت المنطقة ومنهم بيت الشيخ عبد الحمود الجاسم الدليمي وبيت سيد جابر الياسري وبيت اوهان اصطيفان (حاليا بيت اسطة خضير )وبيت سيد محمد امين الامامي لذوي الضحايا والمعزين .
وقد علق احد ابناء النعمانية بعد هذه الحادثة قائلا:
((إنهجم بيتج يدنيا اشلون مياله ٠غركتي المعاون هو وعياله))
وكان بعض اهالي النعمانية يقولون:
((عمت عين الثريمة اشلون مياله غرگت المفوض هو وعياله))

والمعاون هو تسمية كانت تطلق على (المفوض) مأمور مركز شرطة النعمانية ثم صارت الحادثة تاريخا لاهل المدينة حيث عرفت ب(( غرگة الثريمة )), فكان يقول قائلهم حدث الامر الفلاني مثلا بعد سنة من غرگة الثريمه .. او فلان انولد بغرگة الثريمة .

اسكندر اسطيفان :هو تاجر ارمني واحد اثرياء العراق المعروفين في بدايات القرن العشرين وهو صاحب سينما وفندق (الخيّام) ووكيل شركة النفط البريطانية في العراق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *