الملتقى الثقافي النعماني

الاختلاف حول رؤية الهلال وتحديد بداية الشهر الهجري

ضياء القريشي

دائما ما تمر على مسامعنا تساؤلات “هو اكو عيدين لو عيد واحد” و “هو شهر رمضان شهرين لو شهر واحد” وقد تكون هذه الأسئلة منطقية نسبةً إلى مطلقيها نتيجة اختلاف المسلمين بمختلف مشاربهم حول بداية شهر رمضان ونهايته…؟

قال تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) أي جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم وحجهم و مناسكهم وعدة نسائهم وحل ديونهم ومن المتعارف أن هلال شهر رمضان أو شوال يثبت بالرؤية عند جميع أهل العلم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم لقول النبي الأكرم محمد (ص) (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما ) وفي لفظ آخر (فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما) وفي حديث لأبي جعفر الباقر (ع) قال (إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية)

ومع هذا يختلف المسلمون فيما بينهم حول رؤية هلال شهر رمضان أو شوال ويحدث هذا غالبا ويرجع هذا الاختلاف لأسباب ثلاثة نعرج عليها دون الخوض في حيثياتها وتفاصيلها وهذه الأسباب مرة تكون فقهية حول وحدة واختلاف المطالع وأخرى تكون فقهية , فلكية ,هل يعتمد على الحسابات الفلكية؟ أو , يعتمد الرؤية بالتلسكوب؟ أو يقتصر على رؤيا العين المجردة .؟ ومرة ثالثة تكون أسبابا سياسية وهذا الأمر لا يمكن إنكارهُ ,هذا باختصار شديد حول الاختلاف بين المسلمين الشيعة والسنة .

أما الاختلاف بين فقهاء الشيعة أنفسهم فلهُ أسبابهُ أيضًا لكنها أسباب فقهية بحته وربما فقهية فلكية ايضاً , ذلك لاختلاف ” المباني الفقهية ” لكل مجتهد وقبل الخوض في التفاصيل لنعرف ما هو ” المبنى الفقهي ” لتكون الصورة واضحة وجلية للقارئ .

المبنى الفقهي :- هو الدليل الذي يلتزم به الفقيه على ما يتبنيه لنفسه من أسس أصولية وفقهية ورجالية في إصدار فتواه عند تعارض الأدلة وليس بالضرورة إن يكون مطابقا لغيره. هذا الموضوع واسع جدا فلا مجال للتفصيل فيه حول رجوع المجتهد لأصل الحكم من القرآن ومن السنة الشريفة وروايات المعصوم مستعينا بعلم الأصول وعلم الرجال وعلم الحديث للوصول للحكم الذي يتبناه لا كما يفهم بعض البسطاء أن فتوى المجتهد بالرأي أو القناعة الشخصية. بعد أن أوضحنا بإيجاز ماهية المبنى الفقهي نتطرق لبعض التفاصيل حول اختلاف فقهاء الشيعة حول رؤية الهلال وكما أسلفنا فأن أصل الاختلاف فقهي ويرتبط بقضية الأفاق او المطالع وهل يعتبر العالم كله بأفق واحد أم هو متعدد الأفاق هنا توجد أقوال…

القول الأول:- وهو القول بوحدة الأفاق في العالم كله أي إن الهلال إذا رؤي في بلد بالعين المجردة فهو كاف في ثبوته في باقي بلدان العالم لكن بشرط أن تشترك هذه البلدان بجزء من الليل ولو يسير فيما بينها وهذا مبنى السيد المحقق الخوئي (قدس سره) والشيخ محمد إسحاق الفياض وآخرين.

القول الثاني:- هناك من يرى أذا رؤي الهلال في بلدان العالم الإسلامي القديم في عهد أمير المؤمنين (ع) فهو كاف في ثبوته في بقية البلدان وان اختلفت الأفاق ويتبنى هذا القول السيد محمد سعيد الحكيم -رحمه الله-.

القول الثالث:- هو القول بتعدد الآفاق وأن لكل بلد أفقه الخاص أو يتحد مع أفق بلدان قريبة عليه وتقع على نفس خط الطول بحيث تكون مشارقها ومغاربها واحدة على شرط أن تكون الرؤيا بالعين المجردة وهذا مبنى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله. كما ذهب السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره للقول بتعدد الآفاق كذلك فإذا رؤي الهلال في بلد كفى ثبوته في غيره أذا كان يشترك معه في الأفق وعلى خط طول واحد وهو قريب جدا من مبنى السيد علي الحسيني السيستاني ألا أن السيد الصدر لديه أيضا إذا ثبتت الرؤيا في بلد يعتبر كاف في ثبوته لمن هو غربها كالعراق وإيران لا على ما شرقها…

ثبوت رؤية الهلال في إيران بالعين المجردة كاف لثبوته في العراق كونه يقع غرب إيران. كما أن بعض الفقهاء يثبت لديهم الهلال وبداية الشهر الهجري بالحسابات الفلكية منهم المرحوم السيد محمد حسين فضل الله (رض) والسيد كمال الحيدري (دام ظله) وأيضا هناك من يجيز الرؤيا بالعين المسلحة أي بالتلسكوب وآخرين لا يرون ذلك بل يعتمدون الرؤيا بالعين المجردة لكن لا بأس من تحديد مكان الهلال بالأجهزة الحديثة ومن ثم النظر أليه بالعين المجردة.

ختاما تبقى هذه الاختلافات طبيعية جدا كونها اختلافات علمية فقهية وتحصل في جميع المجالات العلمية الأخرى سواء كانت طبية أو هندسية أو اقتصادية ولا تقتصر على الجانب الديني فقط .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *