الملتقى الثقافي النعماني

التحديات الصحية والبيئية للانبعاثات الكاربونية

احمد عبدالحسين

باتت الانبعاثات الكاربونية واحدة من أبرز المشاكل الصحية والبيئية القائمة في الوقت الحالي, والتي تحتاج الى تظافر الجهود العالمية للحد من تأثيرها على المستويين البيئي والصحي على حد سواء,
تتمثل الانبعاثات الكاربونية بالغازات الناتجة عن احتراق الوقود الاحفوري أو الخشب من خلال الانشطة البشرية المختلفة كالمعامل والمصانع التي تعتمد على الوقود الاحفوري بشكل رئيسي, كذلك الانبعاثات الناتجة عن احتراق وقود السيارات والمطابخ والمدافئ المنزلية وأساليب الحرق غير الصحي للنفايات البلاستيكية, وبنسبة أقل الغازات المنبعثة من النشاطات التنفسية للانسان والحيوانات بشكل عام, ومن العوامل الأخرى التي تزيد من مشاكل الانبعاثات الكاربونية ازالة الغابات والمساحات الخضراء بشكل غير مبرر مما يؤدي الى تقليل نسبة الاوكسجين في الغلاف الجوي وبدوره يفاقم مشاكل ازدياد نسبة الغازات الملوثة للهواء.

يمثل غاز ثاني اوكسيد الكاربون أبرز الغازات المنبعثة من احتراق الكاربون, والذي يتركز في الغلاف الجوي من خلال تشكيل طبقة غازية تمتص مكونات الطاقة من الأشعة الشمسية التي تعكسها الأرض، وبالتالي تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري مما يؤدي الى ارتفاع درجة حرارة الهواء المحيط بالأرض, كما ويعمل ثاني أوكسيد الكربون على احتجاز الإشعاع الحراري عن الوصول الى الأرض، مما يؤدي إلى إنشاء طبقة أوزون على مستوى الأرض، تمنع هذه الطبقة الجوية الأرض من التبريد ليلاً,
كما تهدد زيادة انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون بحدوث عواقب وخيمة على الحياة سواء في الماء أو على الأرض, إذ تمتص المحيطات كمياتٍ كبيرةً من الكاربون، مما يؤدي إلى تفاعلات كيميائية تتسبب في ارتفاع حامضية المياه وقتل العديد من الأنواع البحرية أو الإضرار بها.

التأثير البيئي الآخر لثاني أوكسيد الكاربون هو المساهمة في التغير المناخي، حيث ارتفعت درجة حرارة سطح الأرض على مدى المائة عام الماضية وفقًا للدراسات التي أجرتها الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) ، ويعتقد العلماء أن تلوث ثاني أوكسيد الكاربون هو المسبب الرئيسي، وتبين الأدلة أن مستويات مياه المحيطات ازدادت بنسب ملحوظة مما أدى إلى فقدان الساحل والأراضي الرطبة الساحلية.

وعلى مستوى المناخ أيضا يساهم ثاني أكسيد الكربون في التأثير البيئي المعروف بالامطار الحامضية، حيث تتحد الانبعاثات الكاربونية الصادرة من محطات الطاقة التي تعمل بحرق الوقود الأحفوري مع الرطوبة في الهواء، وبالنتيجة هطول الأمطار مع نسبة حامضية عالية، مما يؤدي الى احداث ضرر بالغ للأشجار والحياة النباتية الأخرى, كما تؤدي الامطار الحامضية الى تلوث المياه والتربة، مما يفاقم من المشاكل الصحية الناتجة عن استهلاك المياه للاغراض البشرية,

اما تأثير الانبعاثات الكاربونية على صحة الانسان, فتتمثل في إزاحة الأوكسجين في الغلاف الجوي وتقليل نسبته مقارنة بنسبة غاز ثاني اوكسيد الكاربون،بالتالي يصبح التنفس أكثر صعوبة مع ارتفاع مستويات ثاني أوكسيد الكاربون، وفي المناطق المغلقة يمكن أن تؤدي المستويات المرتفعة من ثاني أوكسيد الكاربون إلى شكاوى صحية مثل الصداع, وقد تصل الى فقدان الوعي في الحالات الحادة.

هنالك جملة من الإجراءات قد تؤدي الى تقليل نسبة الانبعاثات الكاربونية إلى مستويات مقبولة, من ضمنها:

  • الحاجة الى تحولات أساسية في الأنظمة العالمية للطاقة والتنمية الحضرية والصناعية والغذائية, بهدف إحداث تخفيض كبير للانبعاثات إلى مستويات الحد الأدنى الممكنة .
  • تقليل الاعتماد على التقنيات والاجهرة او المعدات التي تعتمد على حرق الوقود الاحفوري قدر الامكان, واستبدالها بتقنيات ووسائل صديقة للبيئة.
  • التعويض عن أي انبعاثات متبقية من خلال وسائل إزالة انبعاثات الغازات الدفيئة مثل إعادة التشجير وزيادة المساحات الخضراء والذي بدوره يساهم في زيادة نسبة الاوكسجين في الغلاف الجوي الى الغازات الاخرى.
  • كما ان هنالك عددا من الحلول المعززة مثل تقنيات حبس الكربون وتخزينه.

اما على المدى البعيد فنالك عدد من المشاريع قيد الدراسة تهدف الى خفض مستوى الانبعاثات الكاربونية وأهمها:

  • استخدام الخشب بدلا من مواد البناء,
    يمكن للخشب أن يحل محل مواد البناء الأخرى التي تتطلب حرق الوقود الأحفوري خلال عمليها تصنيعها وهو الأمر الذي يسبب انبعاثات كبيرة لثاني أوكسيد الكاربون ، ما يعني بالضرورة فوائد مناخية كبيرة، وقد أظهرت إحدى الدراسات أنه في حال حلت المنتجات الخشبية محل مواد البناء الأخرى في المباني فإن هناك متوسط معامل استبدال نحو 2 طن من ثاني أوكسيد الكاربون لكل متر مكعب من الخشب، ويصل هذا الرقم إلى حوالي 20 طن من ثاني أوكسيد الكاربون للمبنى الذي يتم انشاؤه بتكنولوجيا البناء البسيط ذات الإطارات الخشبية.
  • الاستثمار الأخضر: تمثل الاستثمارات الخضراء عاملا حيويا في سبيل التحول إلى اقتصاد منخفض الكاربون ودعم الاستجابة لتطبيق نظام تسعير الكربونو ولتحقيق تحول جذري في نظام الطاقة الحالي ينبغي زيادة الاستثمارات لتمويل التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة واعتماد شبكات الكهرباء الذكية، واتخاذ تدابير رفع كفاءة استهلاك الطاقة، والتحول إلى استخدام الكهرباء في قطاعات كالنقل والبناء والصناعة.
    ولا شك أن القيام باستثمارات كبيرة في مرحلة التحول سيكون بالغ الأهمية, على سبيل المثال نجد أن الشخص الذي يرغب في شراء سيارة جديدة قد يكون أكثر استعدادا لشراء سيارة تعمل بالكهرباء بدلا من البنزين في حالة توافر محطات شحن المركبات بالكهرباء على نطاق أوسع.
  • الاستثمار في أعمال البحوث والتطوير أيضا يمثل عاملا رئيسيا – وسوف يتعين تحقيق المزيد من التقدم التكنولوجي حتى يصبح التحول إلى صافي الانبعاثات الصفرية أمرا ممكنا.

ورغم أن تخفيض الانبعاثات في العديد من القطاعات قد يترتب عليه ارتفاع تكلفة الاستثمارات في المراحل الأولى المقترنة بإنشاء بنية تحتية جديدة، لكنه سيؤدي إلى خفض التكاليف المتكررة نتيجة الانخفاض في استهلاك الوقود, فتركيب ألواح الطاقة الشمسية لتزويد مضخة مياه بالطاقة في إحدى القرى الريفية على سبيل المثال سينطوي على تكلفة جديدة في البداية، ولكن الطاقة المستمدة من الشمس ستكون مجانية, وبالتالي فإن هذه الاستثمارات تأخذ شكلا محدبا، بحيث تسجل زيادة في التكلفة على مدار العشرين سنة التالية وانخفاضا عن مستوياتها التاريخية الأخيرة بعد ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *