خمسة بالمئة قتلى… والباقي ينتظر دوره تحت شعار التدريب! ساحة حرب بلا عدو…والضحايا طلابنا!!
حسين طهير
بينما يواصل العراقيون التعبير عن غضبهم واستغرابهم من تكرار حوادث الوفاة في الكليات العسكرية، ثمة حقيقة صادمة تمرّ دون مساءلة كافية هناك رقم غير مكتوب، متعارف عليه داخل أروقة التدريب العسكري العراقي، يُعرف بـ”الخمسة بالمئة”
لا يتعلق الأمر بنسبة النجاح، ولا بخطة توزيع المهام، بل هو النسبة العرفية المقبولة للضحايا في صفوف المتدربين
نعم، خمسة بالمئة من الطلبة قد يُفقدون خلال التدريب، ويُقال عن ذلك بكل بساطة: “هذا طبيعي”.
منذ سنوات، تسود قناعة داخل المؤسسة العسكرية مفادها أن الصرامة القصوى والتدريب القاسي هما الطريق الأوحد لصناعة “الضابط الحقيقي”.
لكن ما لم يُفكر به هؤلاء، أن الضابط لا يُخلق من الرماد، ولا تُصنع الشجاعة من تحت أنقاض الصدمات النفسية والجسدية.
الشاب الذي يدخل الكلية العسكرية يحمل طموحًا بأن يكون حاميًا لهذا الوطن، لا مشروع ضحية في معسكر لا يعرف التدرّج، ولا يميز بين التحفيز والانتهاك
التدريب القاسي مهم، نعم… لكنه ليس مبررًا للإهمال، ولا غطاءً للقتل غير المعلن!
قادة بلا مراجعة… ومعسكرات بلا رحمة
أين أنتم يا قادة المؤسسة العسكرية من هذه الكوارث المتكررة
أين ضميركم وأنتم تبررون الموت بـ”التحمّل”، والإهمال بـ”الواجب الوطني”؟
لماذا تصرّون على تكرار خطاب بطولي من زمن الحروب الباردة، بينما أبناء اليوم يُدفعون نحو الموت في عزّ التدريب؟
أي عقل عسكري يعتبر سقوط الضحايا في ساحة التدريب أمرًا مقبولًا؟
وأي منظومة تلك التي تعجز عن تطوير وسائل إعداد الضباط لتكون فعّالة وإنسانية في آن معًا؟
إنه فشل هيكلي لا تقف عنده التحقيقات الشكلية، ولا تسعفه بيانات العزاء الرسمية.
ما بين البطش والانضباط… خيط أخلاقي مقطوع
في أروقة هذه الكليات، لا صوت يعلو فوق صوت “التحمّل”
يُمنع المتدرب من الماء في الحرّ، ويُفرض عليه الصيام والركض تحت شمس تموز اللاهبة.
فإن انهار، قيل “لم يتحمّل” وإن مات قيل“حادث عرضي”
لكن لا أحد يسأل: أين الرعاية الطبية؟
أين التدرّج في رفع الجهد؟
أين الدعم النفسي؟
بل أين المسؤول الذي يراجع نفسه ويقول: “ربما بالغنا، وربما فشلنا”!
الجيش القوي لا يُبنى على القبور
نعم، الجيش العراقي مؤسسة لها تاريخ طويل، وقد خرّجت ضباطًا كبارًا
لكن لا مجد حقيقي في مؤسسة تُفاخر بصناعتها للـ”وحوش” إذا كانت تصنعهم على أنقاض زملائهم.
ولا بطولة في ضابط ينجو من التدريب وقد فقد إنسانيته، أو صار يحمل في داخله ندوبًا لا تُشفى.
قوة الجندي لا تقاس بمدى تحمّله للعطش والجوع، بل بمدى قدرته على الصمود الذكي والمنضبط في الميدان.
والضابط الحقيقي هو من يتخرج حيًا… مكتمل النفس والعقل والكرامة
كفى تبريرات… حان وقت الحساب!
إلى من يعتلون المنصات العسكرية، ويرتدون الأوسمة على صدورهم من المسؤول عن كوارث التدريب المتكررة؟من يراجع المناهج، ويقيّم حجم المخاطر؟من يقف أمام الكاميرات ليقول: “نعتذر، أخطأنا، وسنصحح”؟
كفانا خطابات مغلفة بالوطنية تُخفي عجزًا إداريًا ومفاهيم تدريبية منتهية الصلاحية.
كفانا أن ندفع بأبناء هذا البلد إلى حتفهم، ثم نطالب أهاليهم بالصبر والفخر
الخاتمة: نريد جيشًا يحمي الحياة… لا يصادرها
إن المؤسسة العسكرية التي لا تحمي جنودها في أول يوم تدريب، لن تحميهم في لحظة الحرب
وإن القادة الذين لا يرون أرواح المتدربين كأولوية، لا يستحقون قيادة مستقبل هذا الجيش.
خمسة بالمئة ليست رقمًا… إنها نداء استغاثة.
فمن يسمعه… قبل أن تصبح النسبة أكبر، والندم بلا فائدة