مظاهرة في النجف على صيدلية بسبب الخمور
النعمانية نيوز – حازم محمد الصائغ
هذه الحادثة نشرت في مجلة لغة العرب – عدد شهر آذار عام 1928
مظاهرة في النجف
في يوم السبت 11 شباط من هذه السنة، وصلت سيارة إلى النجف، قادمة إليها عن طريق كربلاء، وكان فيها أربعة رجال وصندوقان مغلقان.
واتفق أن انكسر أحد الصندوقين قبل أن ينزل من السيارة، فسأل الركاب السائق عن الرائحة المنبعثة عن الصندوق فقال: هي رائحة خمر، فدهش الفضلاء الروحانيون من نقل مُسكر إلى النجف.
وما كادت السيارة تصل إلى محلها حتى بادر الحمالون بسرعة إلى نقل الصندوقين على دوابهم إلى صاحبها وهو “محمد الفحام السوري” صاحب صيدلية النجف، وما كاد الحمالون يضعون منقولهم أمام الصيدلية المذكورة حتى جاء مأمور مركز النجف وقبض على الصندوقين. فامتنع الصيدلي من تسليمهما.
فألح عليه مأمور المركز في تسليمهما، فأبى الصيدلي وحينئذ كلمه المأمور بشدة فما كان من الصيدلي إلا أن لطم المفوض لطمة أو لطمتين، وفي الحال أمر مأمور المركز الشرطي الحاضر بين يديه أن يقبض على المعتدي فساقه إلى مركز الشرطة ومعه الصندوقان.
ولا تسل عن تجمهر الناس، ولولا أن السلطة تزج المذنب بالسجن لكان بئس المصير.
وفي اليوم التالي 12 شباط أطلق سراح الصيدلي بعد أن وردت إلى الحكومة كتب العلماء، فكأنما اُطلقت قنبلة من فوهة مدفع الرأي العام وباتت النجف في تحمس شديد.
وما بزغت شمس 13 شباط حتى رأيت الجماهير تحتشد في الأسواق وتهوس هوسات ترتج لها البلدة، ثم انقسمت هذه الجماهير إلى فرقتين: فرقة هجمت على الصيدلية وكسرت ما فيها من الخشب وحطمت بعض قناني الأدوية فتداركت السلطة الأمر بأن أرسلت ستة من الشرطة للمحافظة على ما بقي من الصيدلية وقد أعانهم بعض المنورين من الشبان.
والفرقة الثانية وعددها لا يحصى، قصدت دائرة الحكومة في خارج البلدة ووصلت إلى قائم المقام فقيل للناس: أن الصيدلي في محله “وهو النادي” فهاجوا وماجوا محاولين الدخول على الصيدلي، ولكن همة مأمور المركز كانت عظيمة فحول دون أمنيتهم، فذهبوا إلى دائرة الحكومة فخرج قائم المقام إليهم وكلمهم بلطف وأفهمهم بأن الحكومة تتخذ التدابير اللازمة لمعاقبة الصيدلي، إلا أن المتظاهرين لم يقتنعوا، فبدد مأمور المركز شيئًا من الشمل.
ثم ذهب قائم المقام إلى البلدية وكان المتظاهرون في الصفا “الميدان” فخطب فيهم خطبة جمعت بين اللين والشدة وفي الوقت عينه أظهر الشرطة حزمًا وعزمًا فتفرق المتظاهرون وبعد ذلك اخرج الصيدلي من النادي “القلوب” إلى السجن ونادى منادي الحكومة بالإخلاد إلى الهدوء والسكينة ففتح الناس حوانيتهم وبهذه الصورة انطفأت ثائرة المتظاهرين، وختمت هذه الحادثة على أحسن وجه من غير أن يصدر شيء يكدر الأمن والسلم.
وقد أثنى كثيرون في هذه الحادثة على همه الشباب النجفيين الناهضين وعلى ذكاء مأمور المركز وحكمة قائم المقام في البلدة.