مقالات

فاجعة هايبر ماركت الكوت… جرحٌ في القلب ومرآةٌ لواقعٍ مؤلم

علي جبير البكري

في صباحٍ لا يُنسى، استفاقت مدينة الكوت على فاجعةٍ هزّت الضمائر قبل الأجساد، ودوّت في أعماق القلوب قبل الآذان. حريقٌ مروّع اندلع في أحد المراكز التجارية وسط المدينة، فأحرق الأرواح البريئة وأبكى الحجر قبل البشر، وكشف هشاشة الواقع الذي نعيشه بكل تفاصيله المؤلمة: من غياب التخطيط، إلى غياب الرقابة، إلى غياب الوعي.

لم تكن هذه الحادثة مجرّد خبر عابر في شريط الأخبار، بل كانت فصلاً دامعًا من حكاية مجتمعٍ أرهقته العشوائية، واستسلم لأخطاء متكررة، واعتاد أن يعيش في ظلّ غياب أدنى مقومات السلامة. بعض الأرواح التي صعدت إلى السماء كانت فقط تبحث عن لقمة عيش، أو تزور مركزا تجاريا ، بلا مخارج طوارئ، بلا أجهزة إنذار، بلا رحمة.

الكلّ متأثر… لكن من المسؤول؟

تأثرت المدينة… بكت الأمهات، وذُهل الآباء، وسُحقت القلوب، ولكنّ السؤال المؤلم يطفو على السطح:
ألسنا نحن من رضي بالواقع؟
ألم نقبل بسوء الإدارة؟
ألم نفتح أبواب محالّنا فوق خطوط الكهرباء، وتحت ألواح السقف المتهالك، وبين أروقة ضيقة لا تتسع حتى للهواء؟

هل ننسى الأرصفة التي احتلّها أصحاب البسطات دون نظام، حتى بات المشاة يمشون وسط الشارع بين السيارات؟
هل نغضّ الطرف عن مطاعم متهالكة تفتقر لأبسط شروط النظافة، والناس ما زالت تصطف أمامها؟

أين عقولنا من ورش الحدادة والمولدات الكهربائية وسط الأحياء السكنية، بين الأطفال والشيوخ، وكأن أرواح الناس لا تُهم؟

من أوصلنا إلى هنا؟

إن الكارثة لم تكن قدرًا فقط، بل نتيجة حتمية لـ نظام إداري فاسد ومترهّل.
أناس تسلقوا المناصب لا بكفاءتهم، بل بعلاقاتهم الحزبية والعشائرية، أو بشرائهم للموقع بثمن المصالح.
أشخاص لا يملكون ذرة مهنية، يتعاملون مع المنصب كفرصة للوجاهة وجمع المال، لا كأمانة وخدمة للناس.
إدارات بلا رؤية، رقابة نائمة، ومسؤولون “بالاسم” لا يظهرون إلا عند التقاط الصور أو تسلّم التهاني.
وها نحن الآن نعدّ ضحايانا ونضع الزهور على رماد الأخطاء… رماد إدارات فشلت حتى في أبسط مسؤولياتها.

الإهمال لا يرحم… والنار لا تعرف المجاملة

كل زاوية في المركز التجاري كانت تصرخ بالإهمال، وكل متر فيه كان قنبلة موقوتة بانتظار لحظة انفجار.
والحريق الأخير لم يكن سوى مرآة، تعكس فشلًا عامًّا في كل القطاعات: من التخطيط إلى التنفيذ، ومن المراقبة إلى المحاسبة.
وإن استمرّ من لا يستحق في موقع القرار، فانتظروا المزيد من الخراب، لا فرق بين سوق شعبي أو دائرة حكومية أو حتى شارع عام.

ما بعد الفاجعة: واجب لا عتاب

نعم، نحن موجوعون… لكن لا يكفي البكاء.
نعم، نحن في حداد… لكن لا يكفي الحداد.
إذا لم نغضب من الواقع، وإذا لم نغير بأنفسنا أولًا، وإذا لم نكسر دائرة الفساد والمحسوبية، فسيتكرر المشهد.
فموت الأبرياء لا يتوقف، ما دامت الكراسي تُمنح بالمجاملة لا بالاستحقاق.

ختامًا…

فاجعة الكوت لم تكن مجرد حادث، بل كانت صفعة مدوية على وجه مدينة كانت نائمة، وآن لها أن تستيقظ.
آن لهذا الشعب أن يقول: كفى لمن لا يستحق.
كفى عشوائية، كفى مجاملات، كفى تهاونًا بأرواح الناس.
فلن ينفعنا الندم في المرة القادمة، ولن يُجدي التبرير… إن تُرك الفاسد، واستمر الإهمال، فكلنا هدف للنار القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *