مقالات

من طهران إلى بغداد… معارضة تحرس السيادة وأخرى تُشرعن القصف

حسين علي طهير

بينما كانت الصواريخ تنهمر فوق سماء طهران، معلنة بدء جولة جديدة من المواجهة مع الكيان الصهيوني، وبينما كانت إيران تحشد دفاعاتها وتستعد للمواجهة كدولة موحّدة، وقفت المعارضة الإيرانية عند الحد الفاصل بين الشرف والخيانة، فاختارت أن تصمت أو أن تضع مواقفها جانبًا، ورفضت بكل وضوح أن تمنح العدو فرصة الشماتة، أو أن تتحوّل إلى أداة طعن داخلي في لحظة وطنية حاسمة، فغياب التشفي، وانعدام المواقف الانتهازية، وامتناع حتى أكثر المعارضين شراسة عن الظهور المتواطئ، لم يكن مجرد موقف سياسي، بل كان إعلانًا غير مكتوب أن الوطن لا يُقصف من الداخل، حتى عندما تختلف مع من يديره.

في تلك اللحظة تحديدًا، كانت العيون تتجه إلى ساحات عربية أخرى، حيث المشهد مختلف تمامًا، حيث لا توجد معارضة بالمعنى النقي، بل جماعات تتخفّى خلف شعارات المعارضة لتصفق، وتحتفل، وتُحلّل الضربات الخارجية كما لو كانت “أخبارًا سارة”، وفي مقدمة هذا المشهد تقف بعض الوجوه التي تُقدّم نفسها كمعارضة عراقية، وهي تمارس دورها بأقصى ما يمكن من الانحراف السياسي، متخلية عن أبسط المفاهيم الوطنية، فكلما استهدفت طائرة أجنبية موقعًا عراقيًا، أو سقط شهيدٌ عراقي برصاص غادر أو قصف دقيق، أُطلقت التصريحات، وتدفقت التدوينات، وتحوّلت جريمة استهداف السيادة إلى مادة للشماتة والتصفيق.

لم تكن تلك المواقف عفوية، ولم تكن نتاج انفعال سياسي، بل ممارسة مكرّرة، ومنهجية، وكأن هناك من قرر أن يجعل من معارضته للنظام تبريرًا لكل عدوان، وأن يجعل من كراهيته لفصيل أو طرف ذريعة لفتح أبواب العراق أمام أي معتدٍ، بصمت أو تواطؤ أو حتى ترحيب، فالتاريخ القريب يفيض بأمثلة مؤلمة لمعسكرات قصفت، وقادة اغتيلوا، ومواقع سيادية تم استهدافها، بينما كانت بعض الأصوات التي تُسمّي نفسها معارضة تحتفل وتُبرر وتُجمّل مشهد الدماء.

في العراق، لم تتشكل حتى الآن معارضة تضع الوطن فوق الخصومة، بل ما زالت بعض الأطراف تتعامل مع السلطة وكأنها “العدو الأول”، ومع الخارج كـ”حليف ظرفي”، ومع مفهوم الدولة كـ”ممتلك خاص” لا يستحق الدفاع عنه إن خرج من يدها، ولهذا تحوّلت المعارضة عند هؤلاء من صوت نقد مشروع إلى صوت يشبه البيان العسكري للعدو، يبرر الغارات، ويتنفس من رئة الاستهداف، ويتعامل مع سيادة العراق وكأنها ثمن بسيط في صفقة سقوط الخصم السياسي.

والمفارقة الأشد مرارة، أن العراق بلد ديمقراطي، فيه انتخابات ومجالس وفضاء مفتوح للعمل السياسي، فما الداعي إذًا لأن تكون المعارضة مجرد مكبّرات لصوت الطائرات؟ ولماذا يصرّ بعض من يدّعي المعارضة على أن يكون “إعلاميًا” للعدو بدل أن يدخل المعركة السياسية من أبوابها الشرعية؟ إذا كنتم صادقين، وإن كانت لديكم مشاريع حقيقية، فادخلوا الانتخابات، ونافسوا، واكسبوا ثقة الشارع، بدل أن تكسبوا تصفيق الغريب على خراب بلدكم، فالصناديق مفتوحة، والمسارات الدستورية متاحة، ولا مبرر لمعركة تُدار على حساب دم الجنود وسيادة الحدود.

المعارضة الإيرانية، رغم تاريخها الصدامي العنيف مع النظام، لم تمنح العدو جملة واحدة يستخدمها في حربه، بينما تُنتج بعض الأصوات في العراق كل يوم مادة إعلامية جاهزة لكل من يريد النيل من البلاد، وكأن العراق بلا حرمة، وكأن الدم العراقي لا يُحرّك فيهم إلا الشماتة، وكأن الجغرافيا التي ينتمون إليها لا تستحق الولاء ما لم تتطابق مع مصالحهم.

لقد سقطت الأقنعة، ولم تعد المسميات تحمي أحدًا، فالخائن لا يغطيه شعار، والمعارضة الحقيقية لا تُصفق لقنابل العدو، ولا تحتفل باستهداف مواقع بلدها لمجرد أنها تخالفها، واللحظة التي يقف فيها المعارض في صف المعتدي، لا يمكن تبريرها لا بالسياسة ولا بالحرية، بل تُسمّى كما هي: خيانة بصوت عالٍ، بربطة عنق ناعمة، وواجهة إعلامية مشذبة،

هذا الفارق بين من يختلف من الداخل ويظل مخلصًا للأرض، ومن يبيع البلد بسطر كتبه على منصة أجنبية، وبين معارضة ترفض الطعن زمن الحرب، وأخرى تكتب التقارير وتنتشي حين ترى العلم العراقي يسقط من على سارية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *