مقالات

قمة بغداد… كراسي فارغة وخطابات مستهلكة والقادة العرب يواصلون بيع الوهم

حسين طهير

انتهت أعمال القمة العربية في بغداد، ولكن ما خلّفته من علامات استفهام كان أكبر بكثير من بياناتها الختامية. مشهد بدا أقرب إلى تمثيلية دبلوماسية مكرّرة: حضور باهت، كراسي شاغرة، وخطابات لا تختلف كثيرًا عمّا سمعناه قبل عقود.

الحدث الذي راهنت عليه بغداد لتُعيد للعرب لحمتهم المفقودة، خرج بصورة مهزوزة… زعماء لم يحضروا، وآخرون حضروا ولكن بلا موقف. والنتيجة؟ قمة عربية بطعم المجاملات، وعناوين بلا مضمون.

قاعة مشددة… وحضور رمزي

في قاعة محصّنة وسط العاصمة، جلس من تواجد من القادة يتبادلون الابتسامات والتصريحات المعلّبة، بينما اكتفى آخرون بإرسال من يمثلهم “رفعًا للعتب”، لا أكثر. غاب ملك الأردن، ورئيس الجزائر أوفد مندوبًا، وولي العهد السعودي فضّل البقاء منشغلًا بنتائج لقائه الأخير مع ترامب. باختصار: من حضر، حضر جسديًا فقط، أما المواقف… فظلّت غائبة.

صندوق إعمار… أم استعراض إعلامي؟

في محاولة لكسر الجمود، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن “صندوق إعمار عربي”، مبادرة واعدة على الورق، لكنها تصطدم بالواقع العربي المعروف.
العراق تعهّد بمبلغ 40 مليون دولار لإعمار غزة ولبنان، وهي خطوة تُحسب له، لكن المفارقة أن بقية القادة لم يخرجوا حتى بتعهّد رمزي، وخرجوا من القمة كما دخلوها: كثير من التصفيق، وقليل من الالتزام.

هل سيكون هذا الصندوق حساب توفير مغلقًا كما حصل مع المبادرات السابقة؟ أم أنه مجرد واجهة إعلامية لتهدئة الجمهور العربي الذي تعب من سماع الوعود؟

القضية الفلسطينية… كلٌّ يغنّي على ليلاه
بينما كان الناس يأملون بموقف عربي موحّد تجاه العدوان الإسرائيلي، خرج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمطالبة واشنطن – وتحديدًا ترامب – بالضغط على الكيان المحتل. وكأن إسرائيل تخضع للضغوط أصلًا! أو تحترم التفاوض وطاولات الحوار!
أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فدعا الفصائل إلى تسليم سلاحها. تصريح أثار الاستغراب، إذ بدا وكأن المشكلة في السلاح المقاوم، لا في الاحتلال نفسه. هكذا، بات بعض القادة العرب يلوم الضحية ويتغاضى عن الجلاد.

أحمد الشرع… خارج الصورة

الرئيس السوري الجديد – أو الذي كان يُفترض أن يكون – شُطب من الحضور قبل أن تطأ قدمه أرض المؤتمر.
رغم وعود أمريكية له برفع العقوبات، اختفى فجأة، تاركًا المشهد لـ “سمو الأمير الأنيق”، الراعي الحقيقي لمستقبل سوريا وعرّاب دمشق الجديد.
غاب الشرع، وأصبح المشهد السوري يُدار من خلف الستار.
الغياب أبلغ من الكلام
غياب الزعماء لم يكن صدفة ولا بسبب “الظروف”، بل موقف بحد ذاته. اعتذار سياسي فصيح بصيغة صامتة: “لسنا جزءًا من هذا الإخراج”، أو ربما: “دعوا العراق يتحمّل وحده عبء هذه المسرحية”.

الإعلامية نضال الأحمدية علّقت على القمة بقولها:
“من يشاهد صور الزعماء يظن أن الزمن توقّف بعد نكسة 1967… نفس الابتسامات، ونفس الكلمات، ونفس اللاشيء.”
وفي تقرير نشره موقع Middle East Eye، نُقل عن دبلوماسي عربي قوله:
“القمة مجرد واجب بروتوكولي. الجميع حضر ليُحسب له موقف، لا ليصنع موقفًا.”

بيان ختامي… منسوخ ومكرّر
البيان الختامي لم يخرج عن المتوقع: دعوة لوقف “إراقة الدماء في غزة”، وتأكيد على “الدعم الكامل” للشعب الفلسطيني، وكأن تلك العبارات وحدها كافية لحماية الأطفال من الصواريخ، أو لاسترجاع الأرض من الاحتلال.
وكالعادة، صعد الزعماء إلى طائراتهم الخاصة، وعادوا إلى قصورهم، تاركين الشعوب تنتظر قمة جديدة… بنفس الشعارات، ونفس النهاية.

خلاصة المشهد: قمة الكراسي الفارغة… والعقول الممتلئة بالمجاملات
قمة بغداد، رغم نواياها المُعلنة، جاءت لتؤكد المؤكد: أن العالم العربي ما زال يعيش وحدة شكلية تتستر على انقسامات عميقة.
لا قرارات حاسمة، لا مواقف شجاعة، بل استمرار في تكرار ذات الأسطوانة المشروخة.
الشعوب العربية لم تعد تُصدّق، ولم تعد تنتظر. وحده التاريخ يسجل… وأحيانًا، يسخر.

هل تعتقد أن هذه القمم ما زالت تُجدي نفعًا؟ أم أن وقتها قد انتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *