مقالات

حريق الكوت يكشف هشاشتنا… وجشعهم

حازم الصائغ

لم تكن كارثة “هايبر ماركت الكوت” مجرد حريق شبَّ في مبنى تجاري. كانت نارًا التهمت أجساد الأبرياء، لكنها أشعلت في الوقت نفسه ما هو أبشع من النيران: شهية الفاسدين إلى الاصطياد في رماد الفاجعة.

في اليوم الأول للحادث، وبينما كانت سيارات الإسعاف تئن وسط صراخ العائلات، كانت هناك حسابات على مواقع التواصل تشتعل، ليس حزناً أو مواساة، بل سباقًا وقحًا على من يُلقي التهمة أولًا، ومن يحصد أكبر قدر من التفاعل الجماهيري.
اتهامات متبادلة، ودماء تُستثمر بلا خجل.

كل فريق وجد في الحادث فرصة ثمينة لتسقيط خصمه، وأخذت تظهر الوثائق والأوراق التي أثبتت مخالفة “الهايبر” لشروط السلامة، ليظهر بعدها بعضهم بكل جرأة ويصرّح بأنه لم يكن يعلم بأمر هذا السوق وافتتاحه، رغم وضوح المخالفات!
أما البعض الآخر، فذهب إلى أبعد من ذلك، واتهم “أيادي خفية” بالوقوف وراء الحادث لتخريب الوضع قبيل الانتخابات.

لكن الأكثر فجاجة كان من حولوا المأساة إلى “فرصة دعائية ذهبية”.
صورهم وهم يقفون بين الرماد، وعباراتهم المنمقة عن “دماء الشهداء” و”ضرورة الإصلاح”، غزت الشاشات وصفحات السوشيال ميديا، وكأن أرواح الضحايا أصبحت مجرد خلفية إعلانية لحملاتهم الانتخابية القادمة.

وحتى الاتهام لم يسلم من التسييس.
في لحظة تصعيد مفاجئة، بدأ البعض بالترويج لرواية أن “العمال السوريين” وراء الحريق، متهمين إياهم بتنفيذ مخطط متعمد، دون أن يقدموا دليلاً واحدًا.
وهكذا، وبكل بساطة، تحوّلت الجريمة من مأساة محلية إلى ملف سياسي دولي!!

لكن هذه ليست المرة الأولى التي يدفع فيها أهل الكوت ثمن الإهمال. فمن ينسى ما حدث قبل أكثر من عام ونصف في مدينة الألعاب الفلاحية؟ حينها سقط دولاب الهواء المكتظ بالأطفال، في مشهد هزّ المدينة، وأسفر عن إصابات وذعر، ثم طُوي الملف كما طويت ملفات كثيرة قبله. نفس الإهمال، نفس التقصير، ونفس غياب المساءلة… والنتيجة دائمًا: ضحايا جُدد ووعود قديمة.

وفي خضم هذا التوظيف الفج للكارثة، لا يسعنا إلا أن نتمنى: ليت الحكومة تهتم بأرواح الناس وسلامتهم، كما تهتم بأصواتهم وقت الانتخابات.

في ظل غياب نتائج تحقيق رسمية حتى الآن، يستمر البعض في العزف على جراح الناس، لا بحثًا عن العدالة، بل عن (الطشة).

يبقى السؤال الحارق: هل سنشهد تحقيقًا نزيهًا يُنصف الضحايا؟ أم أن الدخان سيتبدد كما في كل مرة، لتبقى الحقيقة رهينة بين جدران هايبر ماركت الكوت؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *