الملتقى الثقافي النعماني

الإعلام والسلطة : فهم استراتيجيات التلاعب بالعقول

حازم محمد الصائغ

بين فترة واخرى تقرأ او تسمع شخصاً يمتدح ويترحم على زمن من ازمنة الطغاة، من دون ان نسأل أنفسنا مالذي يجعل الناس تترحم على عهد كله ظلم ودموية ؟!
تنظر حولك تجد السيارات الفارهة وارقى ماركات الملابس والعطور واحدث التقنيات والاجهزة الترفيهية لكننا لانملك التقنيات الحديثة الخاصة بالتعليم على سبيل المثال!
قبل اكثر من اربعين عاما وضع الفيلسوف وعالم المنطق واللسانيات الامريكي نعوم تشومسكي عشرة استراتيجيات صنفها بانها استراتيجيات تستخدمها دوائر النفوذ في العالم للتحكم والتوجيه.
تشومسكي استند بوضعه لهذه الاستراتيجيات على “وثيقة سريّة للغاية ” يعود تاريخها إلى عام 1979 وتحمل عنوانا مثيرا “الأسلحة الصّامتة لخوض حرب هادئة “، الوثيقة كانت عبارة عن كتيّب للتحكم في البشر وتدجين المجتمعات والسيطرة على المقدّرات، ويرجح المختصون ان هذه الاستراتيجيات تعود إلى بعض دوائر النفوذ العالمي التي عادة ما تجمع كبار الساسة والرأسماليين والخبراء في مختلف المجالات، وهي كمايلي:

1― إستراتيجية الإلهاء والتسلية:
عنصر أساسي لتحقيق الرقابة على المجتمع، عبر تحويل انتباه الرأي العام عن القضايا الهامة والتغيرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية، مع إغراق النّاس بوابل متواصل من وسائل الترفيه.

2― إستراتيجية افتعال الأزمات والمشاكل وتقديم الحلول:
كما يسمى هذا الأسلوب “المشكلة/ التفاعل / الحل”. يبدأ بخلق مشكلة، وافتعال”وضع مّا” الغاية منها انتزاع بعض ردود الفعل من الجمهور، بحيث يندفع الجمهور طالبا لحل يرضيه. على سبيل المثال: السماح بانتشار العنف في المناطق الحضرية، أو تنظيم هجمات دموية، حتى تصبح قوانين الأمن العام مطلوبة حتّى على حساب الحرية. أو خلق أزمة اقتصادية يصبح الخروج منها مشروطا بقبول الحدّ من الحقوق الاجتماعية وتفكيك الخدمات العامّة، ويتمّ تقديم تلك الحلول المبرمجة مسبقا، ومن ثم قبولها على أنّها شر لابد منه.
وهنا نذكر تلك المقولة الطاغوتية التي تقول :
(( اذا ثار عليك شعبك فقم بتحويل حياته الى جحيم، حتى يتحسر على أيام الطغيان الخوالي))
3― إستراتيجية التدرج:
لضمان قبول ما لا يمكن قبوله يكفي أن يتمّ تطبيقه تدريجيّا على مدى 10 سنوات. بهذه الطريقة ستمنع العديد من التغييرات التي كانت ستتسبّب في ثورة إذا ما طبقت بشكل وحشيّ.
4― إستراتيجية التأجيل
هناك طريقة لتمرير قرار لا يحظى بشعبية وهو تقديمه باعتباره “قرارا مؤلما ولكنه ضروري “، والسعي إلى الحصول على موافقة الجمهور لتطبيق هذا القرار في المستقبل، ذلك انه من الأسهل دائما قبول القيام بالتضحية في المستقبل عوضا عن التضحية في الحاضر، ولأن الجمهور لا يزال يميل إلى الاعتقاد بسذاجة ان “كل شيء سيكون أفضل غدا”، وهو ما قد يمكن من تجنب التضحية المطلوبة.
5― مخاطبة الجمهور على أنهم أطفال في سن ما قبل البلوغ:
فمعظم الإعلانات الموجهة للجمهور العريض تتوسل خطابا وحججا وشخصيات، أسلوبا خاصا يوحي في كثير من الأحيان أن أنّ المشاهد طفل في سن الرضاعة أو انه يعاني إعاقة عقلية. كاعلانات الانتخابات مثلا يأتون برجل قروي يعمل اعلان لاقناع الناس بالمشاركة في الانتخابات فكلما كان الهدف تضليل الجمهور يتم اعتماد لغة صبيانية لمخاطبتهم، وقد يتسأل شخص لماذا؟ لانه اذا خاطبت شخصا كما لو كان في سن ١٢ عاما عند ذلك ستوحي اليه انه كذلك وهناك احتمال ان تكون اجابته او رد فعله العفوي كشخص في سن ١٢ عاماً.
6― مخاطبة العاطفة بدل العقل:
التوجه إلى العواطف هو الأسلوب الكلاسيكي لتجاوز التحليل العقلاني، وبالتالي قتل ملكة النقد. وبالإضافة إلى ان استخدام السجل العاطفي يفتح الباب أمام اللاوعي ويعطّل ملكة التفكير، ويثير الرّغبات أو المخاوف والانفعالات.
7― إغراق الجمهور في الجهل والغباء:
لابد من إبقاء الجمهور غير قادر على فهم التقنيات والأساليب المستعملة من أجل السيطرة عليه واستعباده. يجب أن تكون نوعية التعليم الذي يتوفر للمستويات التعليمية الدنيا سطحيا بحيث تحافظ على الفجوة التي تفصل بين النخبة والعامة وأن تبقى أسباب الفجوة مجهولة لدى المستويات الدنيا
8― تشجيع الجمهور على استحسان الرداءة:
تشجيع العامة على أن تنظر بعين الرضا الى كونها غبية ومبتذلة وغير متعلمة .
9― تحويل مشاعر التمرد إلى إحساس بالذنب:
دفع كل فرد في المجتمع إلى  الاعتقاد بأنه  هو المسؤول الوحيد عن تعاسته، وذلك بسبب عدم محدوديّة ذكائه وضعف قدرته أو جهوده.، مما يخلق لديه حالة اكتئاب تؤثر سلبا على النشاط.
10― معرفة الأفراد أكثر من معرفتهم لذواتهم:
على مدى السنوات ال 50 الماضية، نتج عن التقدم السّريع في العلوم اتّساع للفجوة بين معارف العامة وتلك التي تملكها وتستخدمها النخب الحاكمة. فمع علم الأعصاب وعلم الأحياء وعلم النفس التطبيقي وصل “النظام العالمي” إلى معرفة متقدمة للإنسان، سواء عضويا أو نفسيا. أكثر من معرفته لذاته.

وهذا يعني أنه في معظم الحالات، يسيطر “النظام” على الأشخاص ويتحكم بهم أكثر من سيطرتهم على أنفسهم.
ماتم ذكره اعلاه من الاستراتيجيات، كانت ولازالت متبعة من قبل الكثير من الأنظمة والحكومات ، لأجل السيطرة على شعوبهم بالدرجة الأولى، إذ تسهل بقية الإجراءات والمخططات حينما تكتمل عملية السيطرة على العقول قبل الأبدان ، وهذا هو الحاصل في كثير من دول العالم ولا تخفى على أولي الألباب.

One thought on “الإعلام والسلطة : فهم استراتيجيات التلاعب بالعقول

  • سجاد المالكي

    مقال غني ورائع، سلمت أناملك الذهبية

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *