الملتقى الثقافي النعماني

عيونٌ ذكية ترى العالم بِعَدَسَاتِ البيانات

مصطفى حيدر

في رحلةٍ عبر الزمن، خطّ الإنسان خطواتٍ واسعةً نحو آفاقٍ علميةٍ رحبة، مُسخّرًا عبقريته لفهم العالمِ المحيطِ به. ومن بين ثمارِ هذه المسيرةِ الحافلةِ بالإبداع، برز نجمُ الذكاءِ الاصطناعي، ليُضيءَ دروبَ المستقبلِ بِبريقِهِ الوضاء.
فما هو هذا الذكاءُ الاصطناعي؟ وكيفَ يُلامسُ حياتنا اليومية؟
في مُحاولةٍ لفهمِ جوهرِه، يمكننا تشبيههُ بعقلٍ إلكترونيٍّ مُتمرّس، قادرٍ على التعلّمِ والتحليلِ والمعالجة، مُستعينًا بِمخزونٍ هائلٍ من البياناتِ والمعلومات.
يُجسّدُ الذكاءُ الاصطناعيُّ ذكاءً اصطناعيًا قادرًا على أداءِ مهامٍ مُعقّدةٍ كانت حِكْرًا على البشرِ في الماضي، بدءًا من تحليلِ البياناتِ الضخمةِ وحتّى قيادةِ السياراتِ ذاتيةِ القيادة.
ولكن، لا يقتصرُ نطاقُهُ على ذلك فحسب، بل يتخطّى حدودَ التخيّلِ ليُصبحَ شريكًا للإنسانِ في رحلةِ التقدّمِ والازدهار.
ففي المجالِ الطبيّ، يُساعدُ الذكاءُ الاصطناعيُّ الأطباءَ على تشخيصِ الأمراضِ بدقّةٍ أكبرَ وسرعةٍ أَفْعَل، وتطويرِ علاجاتٍ جديدةٍ أكثرَ كفاءةً ومن هذه الأمثلة مثل التشخيص: يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل الصور الطبية، مثل صور الأشعة السينية، بدقة تفوق أحيانًا قدرات الأطباء، مما يساعد في الكشف المبكر عن الأمراض وكذلك في الجراحة: تُستخدم الروبوتات الجراحية الموجهة بالذكاء الاصطناعي لإجراء عمليات جراحية دقيقة مع قدر أقل من التوغل، مما يقلل من وقت التعافي والمخاطر. 
وفي مجالِ التعليم، يُتيحُ للطلابِ تجربةً تعليميةً مُخصّصةً تُراعي احتياجاتِهم الفرديةِ وقدراتهم، ممّا يُساهمُ في تعزيزِ قدراتهم وتطويرِ مهاراتِهم وفي لمسةٍ مهمة وجدت أن الذكاء الاصطناعي يساعد  الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة  فيمكنهُ توفير برامج مساعدة مثل ترجمة النصوص إلى لغةِ الإشارة او التعرف على الصوت .
أمّا في مجالِ الأعمال، فيُساعدُ الشركاتِ على تحسينِ كفاءتها وزيادةِ أرباحها من خلالِ أتمتةِ المهامِ المُتكرّرةِ وتحليلِ البياناتِ مثل التحليل المالي فيمكنهُ تحليل البيانات المالية واتخاذ قرارات استثمارية ذكية، وخدمة العملاء في الإجابة عن اسئلتِهم وحل مشاكلهم على مدار ٢٤ ساعة في اليوم ، ٧ أيام في الأسبوع من دون الحاجة إلى شخصٍ بشري مّما يقلل تكاليف خِدمة العملاء ، ويُحسن رضا العملاء . أما في حياتنا اليومية،حيثُ يمكن للمساعدين الشخصيين
Siri و Alexa 
تنفيذ المهام ، تشغيل الموسيقى ، والأجهزة الذكية وحتى المحادثة معهم في الاونة الأخيرة أصبحت اسهل وأكثر مفهمومية وبأيِّ لغةٍ كانت 
وكذلك ما نَراه الآن في أمن المطارات وخاصةً في الدولِ المتقدمة نَجد العديدَ قد استخدموه بشكلٍ يساعد على التمييز بين الأشخاص المسافرين من خلال التعرف على الوجهِ وتحليل بياناتهِ بالسرعةِ المطلوبة ومن دون تأخير  
ولكن، على الرّغمِ من فوائدهِ الجَمّة، لا يخلو الذكاءُ الاصطناعيُّ من بعض التحدياتِ .
فمن أهمّها مخاوفُ الأخلاقياتِ والخصوصيةِ، حيثُ يجبُ ضمانُ استخدامِهِ بشكلٍ مسؤولٍ يُراعي المبادئَ الأخلاقيةَ ويحافظُ على خصوصيةِ البياناتِ لأن الذكاء الاصطناعي يجمع كميات هائلة من البياناتِ الشخصية مما يُثير مخاوف بشأن الخصوصية للفرد وإساءة استخدام هذه البيانات
أما مخاوفنا الكبرى هي فشل النظام وهذه يجب الانتباه إليها وايجاد الحلول لها فقد يتسبب عطلٌ أو اخطاء في النظام أثناء تجميع البيانات او بعدها مما تؤدي إلى عواقب وخيمة وخصوصا في التطبيقات عاليةِ المخاطر مثل الرعاية الصحية والنقل.
ختامًا، يُمثّلُ الذكاءُ الاصطناعيُّ ثورةً تقنيةً هائلةً تُبشّرُ بمستقبلٍ واعدٍ مليءٍ بالإمكانياتِ
.فعلى الرغمِ من التحدياتِ التي تواجههُ، إلا أنّ وعودَهُ بتحسينِ حياتنا في مختلفِ المجالاتِ هائلةٌ. ومعًا، نستطيعُ توجيهَ مسارَ هذهِ الثورةِ نحوَ آفاقٍ واعدةٍ تُثري الإنسانيةَ وتُعزّزُ تقدّمَها.
ولكن، يتطلّبُ ذلك تعاونًا وثيقًا بينَ العلماءِ والباحثينَ والمُشرّعينَ والمُجتمعِ ككلٍّ لضمانِ استخدامهِ بشكلٍ مُفيدٍ يُساهمُ في بناءِ عالمٍ أفضلَ للجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *