“لعبة الضجيج: كيف يصرف الإعلام أنظار الجماهير عن القضايا المهمة”
حازم الصائغ
“نلاحظ بين فترة واخرى اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي وكثرة الضجيج حول قضايا اقل ما يمكن وصفها به أنها تافهة، وتبرز هذه القضايا غالباً عند ظهور قضايا أكثر جدية وأهمية بالنسبة للمجتمع. فهل هذا مجرد مصادفة؟”
التلاعب بالعقول وتشتيت الرأي العام هما من الأدوات التي تُستخدم بشكل متكرر في الإعلام والسياسة للتأثير على الجماهير وتوجيه انتباههم بعيدًا عن القضايا الأساسية التي تتطلب معالجة جادة. يعتمد هذا النوع من التلاعب على تقنيات نفسية واستراتيجيات تواصلية معقدة تهدف إلى خلق واقع بديل أو تشويه الواقع الحالي بطريقة تخدم أجندات معينة، وهي:
استراتيجية التحويل والتشتيت:
من أكثر الاستراتيجيات شيوعًا في التلاعب بالعقول هي استراتيجية تحويل الانتباه، حيث يتم افتعال أو تضخيم قضايا جانبية غير ذات صلة بهدف صرف انتباه الجمهور عن القضية الأساسية. هذا التكتيك يعرف بـ “نظرية الإلهاء” أو “إستراتيجية الإلهاء”. على سبيل المثال، في وقت الأزمات الاقتصادية أو الاجتماعية، قد يتم التركيز على قضايا تافهة أو إثارة الجدل حول موضوعات ثانوية لتجنب النقاش حول الأسباب الحقيقية للأزمة.
التلاعب بالمعلومات:
يمكن التلاعب بالعقول من خلال السيطرة على المعلومات التي تصل إلى الجمهور. هذا يتضمن نشر معلومات مضللة أو تحريف الحقائق أو حتى حجب بعض المعلومات المهمة. الهدف هو خلق تصور مشوه للواقع بحيث يصعب على الجمهور فهم الصورة الكاملة للقضية. التلاعب بالمعلومات غالبًا ما يستخدم لتوجيه الرأي العام نحو اتجاه معين يخدم مصالح محددة.
التأطير الإعلامي:
التأطير هو عملية تقديم القضية بطريقة معينة تؤثر على كيفية تفسير الجمهور لها. عبر اختيار العناوين والكلمات المستخدمة، يمكن للإعلام أن يصور قضية معينة على أنها مشكلة ضخمة أو، بالعكس، يقلل من أهميتها. التأطير يمكن أن يُستخدم لإضفاء الشرعية على أفكار معينة أو نزع الشرعية عن أخرى.
التحفيز العاطفي:
تلعب العواطف دورًا كبيرًا في كيفية استجابة الناس للمعلومات. فالإعلام والسياسيون يستغلون هذا من خلال إثارة الخوف، الغضب، أو حتى الأمل لدى الجمهور لتوجيهه نحو اتخاذ مواقف معينة أو تجاهل أخرى فيتم استخدام مشاهد مؤثرة، صور، أو قصص إنسانية لجذب انتباه الجمهور بعيدًا عن الحقائق الباردة والمجردة.
خلق العدو الخارجي:
في كثير من الأحيان، يتم تصوير طرف معين كعدو خارجي بهدف توحيد الناس ضد هذا “العدو” وتحويل الأنظار عن المشكلات الداخلية الحقيقية. هذا التكتيك يُستخدم لخلق حالة من “نحن ضدهم”، مما يعزز من الدعم للسياسات أو القرارات التي ربما لم تكن لتلقى قبولًا واسعًا في الظروف الطبيعية.
التحليل الزائف أو الاستنتاج المغلوط:
يتم استخدام هذا التكتيك من خلال تقديم تحليلات زائفة أو استنتاجات مغلوطة مبنية على بيانات غير صحيحة أو مشوهة. الهدف هنا هو تضليل الجمهور وجعله يعتقد أن استنتاجات معينة هي الحقيقة الوحيدة، بينما هي في الواقع مبنية على معلومات خاطئة أو متلاعب بها.
إن القدرة على التمييز بين الحقيقة والتلاعب أصبحت مهارة حاسمة في عالم اليوم. مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي، أصبحت الأدوات التي تُستخدم للتلاعب بالعقول أكثر تنوعًا وتعقيدًا. لذا من الضروري أن يتبنى الجمهور موقفًا نقديًا تجاه المعلومات التي يتلقاها، وأن يتحرى دائمًا الدقة والموضوعية في كل ما يعرض أمامه.
إن فهم هذه الاستراتيجيات والتحذير منها يساعد الأفراد على التمتع بفكر مستقل ومستنير، مما يمكنهم من مقاومة التأثيرات السلبية التي قد تمارس عليهم.