مقالات

جمهورية شريط الافتتاح.. تتزاحم الأيادي وتغيب الإنجازات

حازم الصائغ

هناك في بلد ما ، لا تكتمل فرحة أي مشروع، ولا يعلن عن ميلاد أي مهرجان، إلا بعد أن يخوض شريط الافتتاح ملحمة وطنية… تتزاحم فيها الأيادي، وتتعالى الوجوه نحو الكاميرات، وكأن قص هذا الشريط شرف عسكري، لا يناله إلا ذو حظ عظيم ، من كان له باع طويل في التصوير مع المنجزات لا في صناعة المنجز نفسه.

في مشهد لا يختلف كثيرًا عن سباق الماراثون، تجد المسؤول الفلاني يهرول من يمين الصورة، والآخر يعدل ملابسه وربطة عنقه استعدادًا للّقطة التاريخية، بينما يمد الثالث يده بكل ما أوتي من دبلوماسية ليضع أصبعه على الشريط حتى لو لم يكن يعرف اسم المشروع أو موقعه على الخريطة.

ولك أن تتساءل: كم مسؤولًا تحتاج لقص شريط؟
في الواقع، أكثر مما تحتاج لبناء المشروع نفسه!
قد نرى قريبًا في السيرة الذاتية للمسؤولين عبارة: “شارك في قص 37 شريطًا رسميًا، دون انقطاع!”

شريط لامع يسر الناظرين، يعرض فيه ما يسمى بـ”المشاريع المقدسة”؛ مشاريع قد تستحي أفقر الدول من تسميتها منجزات. لكن عند أصحاب المعالي، كل شيء يعد منجزاً: فتأهيل شارع بطول 25 مترا يحتفى به كإنجاز، وفرش الطرق الترابية بـ(السبيس) يعد خطوة حضارية، أما هدم بيوت الفقراء الذين لا مأوى ودون توفير البديل لهم بذريعة “إزالة التجاوزات” فهو اكبر منجز تعلو الأكف بالتصفيق له لانه نصر مبين.

أما الإنجاز الحقيقي؟ فيأتي متأخرًا ( إن جاء ) بعد أن يرحل الجميع وتبقى صورة القص يتداولها الإعلام، وينساها المواطن حين لا يجد ماءً ولا كهرباءً في المشروع الافتتاحي العظيم.

أليس من الأولى أن نرى التزاحم ذاته في لحظات العمل الحقيقي؟ في الجلسات التشريعية، في السعي لايصال مياه الشرب الى القرى النائية ، في محاولات حقيقية لتشغيل ملايين الشباب ، في اعادة عمل المصانع التي شاخت وهرمت، في متابعة المشاريع المتعثرة، في تحقيق امنيات الشعب البسيطة التي تتمثل بالماء والكهرباء وتوفير العيش الكريم.

لكن يبدو أن “شرف قص الشريط” أهم من امنيات الشعب، وأجدر بالتوثيق من عرق العمال والمهندسين. ففي النهاية، الصورة تبقى… أما المشروع، فربما يحتاج هو الآخر إلى شريطٍ جديد… اسمه شريط “الإصلاح الحقيقي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *