الملتقى الثقافي النعماني

التحالف مع الخصم: حين يصافح الشيطان نفسه من أجل البرلمان

حازم الصائغ

” أنا مستعد للتحالف مع الشيطان في سبيل الظفر بـهتلر’.”
بهذه الكلمات عبر رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل عن استعداده للدخول في تحالف مع جوزيف ستالين، القائد السوفياتي، رغم الخلافات الحادة بينهما، إيمانًا منه بأن التهديد الـنـازي يمثل الخطر الأكبر على بلاده. كان يعلم أن هذا التحالف مؤقت، وأن المواجهة الحقيقية ستأتي لاحقًا مع الشيطان ذاته.

لكن ما يجري اليوم في المشهد السياسي العراقي لا يشبه تحالف الضرورة الذي فرضته الحرب العالمية، بل يبدو أقرب إلى تحالفات مصلحية باردة، مجرّدة من المبادئ، ولا تحركها سوى شهية السلطة.

فها نحن نرى سياسيين طالما ملأوا الشاشات صراخًا ضد الفساد، واتهموا خصومهم علنًا بنهب المال العام، يعودون الآن ليظهروا جنبًا إلى جنب معهم في قوائم انتخابية موحدة، وتحالفات لم يكن أشد المتفائلين يعتقد بإمكانية حدوثها.

ذلك الخصم الذي وُصف بالأمس بـ”رأس الأفعى”، أصبح اليوم “شريكًا استراتيجيًا”، وذلك الحزب الذي هوجم مرارًا وتُهم بتخريب الدولة، بات الآن “ضرورة وطنية”. كل شيء بات يُغلف تحت لافتة “المصلحة العليا” أو “إنقاذ البلاد”، لكنّ الشارع يدرك جيدًا أن ما يُحرك الكثير من تلك التحالفات ليس الوطن، بل كرسي البرلمان ومغانم السلطة.

وفي ظل هذا المشهد الذي تنعدم فيه الخطوط الحمراء، ويفقد فيه الخطاب السياسي مصداقيته، لم يكن مفاجئًا أن نجد المواطن العراقي وقد قرر أن ينأى بنفسه عن لعبة لم تعد تُقنعه بشيء.

فعزوف العراقيين عن المشاركة في الانتخابات بات ظاهرة تتكرر مع كل دورة، وتزداد حدّتها. الشباب، الذين يُفترض أن يكونوا وقود التغيير، يرون في الصناديق مجرد ديكور ديمقراطي يُعيد إنتاج ذات الوجوه، وذات الوعود، وذات الخيبات.

اللافت أن هذا العزوف لا ينبع من اللامبالاة، بل من إحباط واعٍ، ورفض صامت لمعادلة باتت مكشوفة: من يتصدر المشهد ليس بالضرورة الأكفأ، بل من يملك المال والسلاح والدعم الحزبي، ولو على حساب الدم والدموع.

السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا: كيف يمكن إقناع المواطن بالمشاركة في انتخابات يرى أنها مجرد تدوير لذات الأزمة؟
وكيف يمكن بناء ثقة شعب فقد الأمل بقدرة صناديق الاقتراع على إحداث التغيير؟

ربما يكون الجواب في إعادة تعريف السياسة ذاتها: كأداة لخدمة الناس، لا وسيلة لتبادل المنافع. وربما يكون الطريق إلى إحياء الأمل هو في ظهور وجوه جديدة، لا تشارك في حفلات المصالحة على حساب الذاكرة، ولا تتفنن في كسر الصور التي رسموها بأنفسهم.

إلى أن يحدث ذلك، سيبقى كثيرون خارج اللعبة، يراقبونها من بعيد، ويمضون في يوم الانتخابات كما لو أنه يوم عادي… لا يعنيهم، ولا يعني ما بعده شيئًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *