الملتقى الثقافي النعماني

في قلب الاضطرابات.. من يُعيد للشرق أمانه؟

احمد عبد الحسين

تشهد منطقة الشرق الأوسط في هذه الفترة مفترقًا حادًا وخطيرًا، مع تسارع غير مسبوق في وتيرة الصراع بين إيران والاحتلال الصهيوني، حيث خرج الصراع من دائرة الحرب بالوكالة أو الاستنزاف المتبادل إلى مواجهة مباشرة ومتفاقمة تتصاعد يومًا بعد يوم. فخلال الاسابيع الأخيرة، تحوّل التوتر المتراكم بين الطرفين إلى ضربات عسكرية علنية، وقصف متبادل بطائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة، استهدف مواقع حساسة داخل أراضي كل منهما، و بدأ يمتد إلى ساحات اخرى كاليمن ولبنان، بما يؤكد أن الحرب لم تعد محصورة بجبهتين، بل باتت مفتوحة على كامل الجغرافيا الإقليمية، ومفتوحة أيضًا على احتمالات انفجار إقليمي أوسع.


هذه التطورات لا تأتي بمعزل عن تراكمات طويلة من الخصومة السياسية والعسكرية والعقائدية، لكنها اليوم تقف على عتبة جديدة تنذر بتداعيات جسيمة على الأمن والاستقرار في المنطقة، بل وقد تمس مصالح دولية تتداخل مع أمن الطاقة والملاحة والتوازنات الجيوسياسية الكبرى.


إنّ الحرب بين إيران والاحتلال الصهيوني لا يمكن اعتبارها مجرد صراع بين دولتين، بل هي مفصل محوري في مستقبل الشرق الأوسط، إذ أن استمرار التصعيد قد يشعل ساحات متعددة ويستدعي تدخلات من أطراف دولية قد تجد نفسها مرغمة على الانحياز أو المشاركة، ولو بشكل غير مباشر.


ومن هنا يبرز السؤال الذي بات يؤرق العواصم ويشغل العقول: هل لا يزال ممكنًا إعادة الأمان إلى هذا الشرق الذي أرهقته الحروب، وأين تكمن فرص التهدئة في خضم كل هذا التوتر؟
الإجابة، وإن كانت شائكة، تمر حتمًا عبر مسارين متوازيين: الأول دولي والثاني إقليمي. فالقوى الدولية الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة وروسيا والصين، تملك من الأدوات والنفوذ ما يمكنها من الضغط على أطراف النزاع لمنع المزيد من التصعيد، ولو من باب حماية مصالحها المباشرة في المنطقة. فواشنطن، رغم دعمها الثابت للاحتلال الصهيوني، وتدخلها الأخير المباشر في الحرب، الا انها تجد نفسها أمام معادلة دقيقة، إذ إن انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة سيضر بمصالحها الحيوية، سواء على مستوى أمن حلفائها في الخليج أو استقرار سوق الطاقة العالمي. وروسيا، التي تحاول الحفاظ على موطئ قدم مؤثر في الشرق الأوسط، لا يمكن أن تقف مكتوفة اليدين إزاء حرب قد تهدد حلفاءها التقليديين وتعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة. أما الصين، التي دخلت في السنوات الأخيرة كفاعل اقتصادي ودبلوماسي متنامٍ، فلن تنظر بارتياح إلى حرب تعرقل مشاريعها الكبرى وتُضعف ثقة شركائها في بيئة استثمار غير مستقرة. وعلى الجانب الآخر، فإن دول الشرق الأوسط يقع عليها عبء ثقيل في محاولة تطويق هذه الأزمة وتقديم حلول دبلوماسية قابلة للحياة.


اما العراق، الذي يقف جغرافيًا ونفسيًا في نقطة تماس مع كل من إيران والفصائل المرتبطة بها من جهة، ومع المصالح الغربية والعربية من جهة أخرى، يمكنه – إذا توفرت له الإرادة السياسية والدعم الإقليمي – أن يكون منصّة حوار وليس ساحة تصفية حسابات. إن استثمار بغداد في موقعها الوسيط، وتعزيز قنوات الاتصال مع الأطراف كافة، يمكن أن يمنحها دورًا بناءً في تخفيف حدة التوتر، خصوصًا وأن أي تصعيد أكبر سيطال أراضيها مباشرة، سواء على مستوى الأمن أو الاقتصاد.
ولا يقل أهمية عن ذلك الدور الذي يمكن أن تلعبه دول الخليج، التي باتت تدرك أن الاستقرار الإقليمي ضرورة استراتيجية لا ترفًا سياسيًا.
وأخيرًا، فإن الجهود الدبلوماسية الجماعية إذا ما تكاملت، قد تُحدث فتور في الأزمة وتمنع مزيدًا من التصعيد. على الرغم من أن الصورة غامضة ومعقدة، وأن لغة السلاح اليوم هي الأعلى صوتًا، لكن ما زال هناك وقتٌ للمبادرة، ولإعادة التأكيد على أن الشرق الأوسط لا يحتاج مزيدًا من الحروب، بل إلى قيادة رشيدة وشجاعة تعيد له أمانه المفقود، وتفتح أفقًا للسلام رغم كل الضجيج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *