المجتمع الذي يبرر العنف… شريك في الجريمة
طارق المياحي
لا يولد العنف من فراغ بل يولد من بيئة تغذيه وتبرره وتمنحه غطاء اجتماعيا أو دينيا أو عشائريا والكارثة الأكبر أن هذا التبرير لا يوقف نزيف الدم بل يجعله يتكرر الى ما لا نهاية .
حادثة مقتل الدكتورة بان زياد لم تكن مجرد جريمة جنائية عابرة بل جرس إنذار يدق بقوة في وجه مجتمع ما زال عاجزا عن حماية نسائه طبيبة شابة حاملة لآمال كبيرة في خدمة الناس قتلت بدم بارد لتضاف إلى سلسلة طويلة من النساء اللواتي دفعن حياتهن ثمنا للعنف المسكوت عنه في مجتمع بات يبرر للعنف بكل وقاحه ما يجعل هذه الحوادث أكثر مأساوية هو ذلك الصمت المريب أو التبرير البائس الذي يردده البعض خطأ فردي او حادثة معزولة أو حتى قضية عائلية لا يجوز التدخل فيها هذه الكلمات ليست بريئة بل هي مشاركة غير مباشرة في الجريمة لأنها تمنح القاتل غطاء اجتماعيا وحرية لتفتح الباب أمام جرائم أخرى .
المجتمع الذي يبرر العنف أو يراه أمرا عاديا ولا يشكل عليه هذا الامر يساهم في إعادة إنتاجه حين تغتال استاذه أو تغتصب فتاة أو تحرق زوجة ولا يكون الرد إلا الصمت أو التبرير فان الرسالة التي تصل إلى القاتل واضحة جدا
افعل ما تشاء فلن تحاسب .
إن جريمة مقتل الدكتورة بان تكشف أن المرأة مهما بلغت من علم أو مكانته اجتماعية تبقى مهددة في مجتمع لم ينجح في صناعة بيئة آمنة لها فالعنف لا يفرق بين امرأة عاملة أو ربة بيت بين متعلمة أو غير متعلمة اي ان الجميع في قلب دائرة الخطر طالما أن العرف أقوى من العدالة .
القضية ليست فقط في الجريمة نفسها بل في منظومة كاملة تصمت أو تسكت أو تبرر المدارس التي لا تعلم قيم المساواة الأسر التي تربي أبناءها على التمييز الإعلام الذي يطبع صور العنف ويعرضها كأمر طبيعي كل هذه ثغرات تكفي لهروب عشرات المجرمين من العقاب .
المطلوب اليوم ليس مجرد التعاطف مع الضحايا والاستنكار بل مواجهة جذرية مع الفكر الذي يبرر العنف ويعتبره حقاً للرجل أو وسيلة للتأديب وهذا هو اساس الخطا ان المطلوب هي ثورة وعي تبدأ من التربية في البيت مرورا بالقوانين الرادعة وصولا إلى إعلام يفضح الجريمة بدلا من أن يلمعها ويتستر عليها .
رحيل بان يجب أن يتحول إلى نقطة تحول لا إلى رقم جديد يضاف في قائمة طويلة من الضحايا فالمجتمع الذي لا يحمي نساءه ولا يوفر لهن شعورا بالأمان هو مجتمع يقتل نصفه بيديه ويمنع نصفه الآخر من الحياة
إننا جميعا بصمتنا أو تبريرنا أو لامبالاتنا نشارك في هذه الجرائم ومثلما قتلت الدكتور بان بالأمس ستقتل غيرها غدا ما لم نكسر دائرة الصمت ونقولها بوضوح العنف انتهاك صارخ… والتستر عليه إدانة بحد ذاتها ولا حصانة لمبرريه